المقاربة رقم 1: فهم تصاعد النزاع

عادة، تنشأ النزاعات على مستوى المجتمعات المحلية بفعل حدث مفاجئ. والحدث المفاجئ يكون مؤثرًا برمزيته وغالبًا ما يُنظر إليه كدلالة على أن إحدى المجموعات تنوي الإساءة إلى مجموعة أخرى. قد تشمل هذه الأحداث المفاجئة قضايا عديمة الأهمية، كما في حالة بروز خلاف حول مكان لركن السيارات بين فردين قبل أن يكتسب الخلاف أبعادًا أكبر، مثلًا إذا شعرت إحدى المجموعات أن مجموعة أخرى تظن أنها تملك حقوقًا بفعل موقعها الأكثر تميّزًا.[1] في هذه الحالة، سرعان ما يتدخل القادة السياسيون أو الروحيون أو المدنيون للقول إن إحدى المجموعات ضحية التمييز على سبيل المثال. وإذا ما تفاقمت التوترات، يصبح الحدث رمزيًا بالنسبة إلى المجتمع المحلي ككل – وبذلك يصبح حدثًا مفاجئًا. ومن الممكن استخدام الأحداث المفاجئة من أجل إطلاق ظاهرة العنف في المجتمع في حال عدم التدخل في الوقت المناسب من أجل التخفيف من التوترات.

عندما لا يجري التعاطي بفعالية مع التوترات أو العنف الحادين على مستوى المجتمعات المحلية، قد يجلب ذلك مزيدًا من التوترات وأعمال العنف في مجتمعات محلية أخرى أيضًا بسبب الطبيعة الرمزية التي يكتسبها الحدث. وتنشأ التوترات عندما تتعارض أهداف الأفراد – أو ما يسمى أحيانًا بالمواقف. فيلجأ هؤلاء إلى التشبث بمواقفهم من دون محاولة إيجاد أرضية مشتركة. والأرضية المشتركة تبرز فقط عندما يوضح الأفراد مصالحهمفينظرون إلى ما هو أبعد من مواقفهم الفردية. عندها، يلقون الملامة على الطرف الآخر ما قد يؤدي إلى "خسارة ماء الوجه". ومن شأن هذا التحدي لكبرياء الفرد، أو المجموعة، أن يؤدي إلى نشوب أعمال العنف. يصف الرسم التالي مختلف المراحل المذكورة.

IMAGE

 

من الأمثلة عن أفراد يصرون على مواقفهم، قصة أم وابنتيها التين تتشاجران على برتقالة. فتقرر الأم أن تقسم البرتقالة إلى نصفين. لكن قبل ذلك، تتحدث مع كل ابنة على انفراد. فتكتشف أن الأولى تريد قشرة البرتقالة لتستخدمها في إعداد قالب حلوى فيما ترغب الثانية في كوب مليء بعصير البرتقال المنعش. لذلك، أصرت كل منهما على الاحتفاظ بالبرتقالة كاملة. أما الحصول على القشرة والحصول على العصير فهذه هي مصالحهما. بالتالي، فإن إيجاد أرضية مشتركة يؤدي إلى حصول كل ابنة على ما تريد – وبالتالي تلبية مصالحهما.

إذا ما أجرينا تحليلًا أكثر تعمقًا، ربما تكتشف الأم أن إحدى الابنتين غاضبة لأن الابنة الأخرى تمكنت من مشاهدة برنامجها التلفزيوني المفضل في وقت سابق ذلك اليوم – وهي لا تحبه. بالتالي، فإن الشجار المتعلق بالبرتقالة شكل طريقة للتعبير عن الغضب الكامن. ومصلحة الابنة التي انزعجت من مسألة البرنامج التلفزيوني تتمثل بمطالبتها بالعدل. في هذه الحالة، قد تقرر الأم أن كل ابنة يحق لها أن تقرر أي برنامج تشاهد على أساس المداورة بين الابنتين. بهذه الطريقة، يتضح الموقف المطالب بالبرتقالة كاملة على أنه في الواقع مطالبة "بالعدل في حق مشاهدة التلفزيون". وتكون الأم قد توصلت إلى حل عادل.