تقرير سنوي حول حالة التسامح في لبنان

مقدمة:

عرف لبنان منذ البدء بصيغته المميزة اذ ان العيش المشترك بين مواطنيه مسيحيين كانوا ام مسلمين، هو في اساس تكوين هذا الوطن الصغير واستمراريته على الرغم من كافة الصراعات والنزاعات الاهلية والاقليمية التي مر بها والتي كادت في الكثير من الاحيان ان تزعزع استقراره وتماسك ابنائه.

وتظهر هذه الميزة ايضا في كونه وطن قائم على احترام حريات الفرد وحقوقه الاساسية حيث يكفل الدستور حرية الرأي والمعتقد ويؤكد على العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع الحقول والمجالات دون استثناء وهو يكفل حرية ابداء الرأي قولاً وكتابة وحرية الطباعة وحرية تأليف الجمعيات والاحزاب.

وقد يأكد هذا الامر بداية على توافر المبادئ الاساسية التي يقوم عليها مفهوم التسامح وفق ما نص عليه" اعلان مبادئ بشان  التسامح"، اذا ان الدستور والقوانين اللبنانية تحترم التعدد والاختلاف الذي يعني قبول الاخر والاعتراف بحقوقه في الوجود والحرية واحترام مشاعره ومعتقداته على مختلف الاصعدة الدينية، السياسية والاجتماعية، لان تكريس الحريات والمساواة والحقوق في دستور وقوانين بلد ما يشكل بداية وارضية ثابتة لاحترامها من قبل الحكومات والافراد والجماعات، فهو يعتبر ضمانة اكيدة لها بحيث تصبح اية انتهاكات لحقوق الانسان وحرياته الاساسية مخالفة واضحة واكيدة لما يعتبر حق مقدس في دستور الدولة المكتوب وقوانينها المختلفة.

واذا كانت الحريات والمبادئ الاساسية لحقوق الانسان مكرَسة في الدستور اللبناني والقوانين، الا ان هذا الامر لا يكفي لخلق جو من التسامح مبني على احترام الحقوق ورفض الظلم الاجتماعي، انما يتطلب ايضا، كما نرى، توافر عوامل اخرى يمكن اختصارها بثلاث:

أولاً:مسؤولية الدولة اللبنانية، حكومة ومجلس نيابي ومؤسسات حكومية واحزاب سياسية في الحفاظ على التسامح ومبادئه من خلال صون الدستور وحسن تطبيق القوانين، ومن جهة أخرى من خلال التصديق على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان وتعديل القوانين بما يناسب مع بنود ومواد هذه الاتفاقيات. واخيرا تأمين حقوق المواطنين والمقيمين بصورة تصون كرامتهم وتوفر لهم حياة كريمة.

ثانياً:موقف الافراد الايجابي تجاه حق الاخر بالتمتع بحقوق الانسان والحريات الأساسية، بحيث يتجسد هذا الموقف في قبول الاخر المختلف في الدين او العرق او السياسة او اللون او الاصل الاجتماعي او الجنس. ويتمثل ايضا" في اسلوب تفكير ونظرة الى الاخر تقوم على الاحترام وإقرار التنوع للمفاهيم والاراء. فيتجلى بذلك التسامح في العلاقات في المجتمع والاتصال بالاخر.

ثالثاً:دور المجتمع المدني في تكريس مبادئ التسامح  أولاً من خلال نشر الوعي حول مفاهيمه الاساسية والعمل على تشجيع المصالحات والطرق السلمية لحل النزاعات، وثانياً من خلال الضغط على الحكومة للتصديق على اتفاقيات حقوق الانسان وتعديل القوانين وحثها على توفير الحقوق الاساسية للمواطن في كافة المجالات، فضلا عن رصد انتهاكات حقوق الانسان وتوثيقها ورفع التقارير بشأنها للجهات المختصة.

من هنا يتبين ، ان توافر التسامح يتطلب توحيد الجهود والعمل سوية بغية ارساء مفاهيم حقوق الانسان والديمقراطية وثقافة السلام، فالتسامح هو قبول الاخر المختلف مما يجعله شرعيا في صناعة الحياة وليس هامشا ذا دور تكميلي .

بنية التقرير ومنهجيته:

هذا التقرير هو التقرير الثاني لحالة التسامح في لبنان الذي يغطي الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى كانون الاول عام 2009 . علما ان التقرير الاول كان يغطي اشهر السنة الاخيرة من عام 2008 لا سيما الاحداث التي مر بها لبنان في ايار من ذلك العام.

يتناول هذا التقرير مجالات التسامح الثلاث، الديني والثقافي، السياسي، الاجتماعي والاقتصادي كما تم بيانه في التقرير السابق، الا ان الجديد في هذا التقرير حق اعتماد مؤشرات واضحة ودقيقة وضهعا مركز رام الله لدراسات حقوق الانسان تتناول بشكل اساسي الماضيع التالية:

  • تأثير الدين في سياسة الدولة
  • علاقة الدولة بالافراد والمجتمع من اصدار قوانين يضبطه الدستوروالتشريعات وتحكمه الممارسات الديقراطية. فيلقى الضوء على كافة الاصعدة ومدى صيانة كرامة مواطنيها واشراقهم في اتخاذ القرارات. فالدولة المستبدة التي لا تتسامح مع مواطنيه تتيح في الغالب مواطنين  غير متسامحين.
  • وجود دستور مكتوب في الدولة وقوانين تصون الحريات والحقوق الاساسية وتؤمن  المساواة بين المجتمع.
  • المناخ الديني والثقافي ومدى انعكاسه على نوعية العلاقات بين افراد المجتمع ومدى تأثير الدين في سياسة الدولة، ودور المؤسساتت الدينية في نشر ثقافة التسامح عن طريق رصد الفتاوى الدينية التي صدرت خلال العام عن الجهات الدينية والخطاب الديني .
  • تحديد ما اذا كان يوجد فروق وتمييز من حيث الممارسات بين ابناء البلد من الناحية الاجتماعية والاقتصادية ، وما اذا كان يوجد تمييز بين المواطن والاجنبي ( اللاجئ او المقيم) وبين الحضريين والريفيين. وما اذا كان هناك تحقير لمكانة المرأة في المجتمع وفي الشرعيات المعمول بها.

وقبل المباشرة في عرض التقرير، لا بد من الاشارة الى ان اهمية اصدار هكذا تقرير تظهر من خلال عدة نواحي اهمها:

-        اولا:ان التسامح مفهوم جديد اعتمدته الأمم المتحدة في المؤتمر العام للأونيسكو في نوفمبر 1995 مما يؤكد على ضرورة اهتمام المجتمع الدولي والمحلي بنشر ثقافة التسامح، ورصد  حالة التسامح في كافة المجتمعات خاصة ان اعلان مبادىء بشأن التسامح جعل منه قيمة قانونية تتطلب الحماية من المجتمع الدولي. واعتبر ان هذا المفهوم هو نوع من التجلي الحقيقي لمفهوم حقوق الانسان والديمقراطية، فهو يكافىء المفهوم الديمقراطي بابعاده الاجتماعية لان كلاهما يتضمنان قيم الانسان وحقوقه التي تسعى الى تحرير الانسان من كافة اشكال العبودية  والقهر والتسلط.

 

-        ثانيا:ان مبدأ التسامح يتخذ منابع متعددة دينية وعرقية واخلاقية واجتماعية وفكرية وفلسفية، بحيث يجمع تقرير التسامح بين العوامل السياسية والاجتماعية  والاقتصادية والدينية ويبين كافة المؤشرات التي يمكن ان تحصل في بلد معين والتي تمس مباشرة في قيمة التسامح ويعتمد في ذلك ليس فقط على مؤشرات تتعلق بحقوق الانسان المتعارف عليها وانما بمؤشرات جديدة تركّز بشكل اساسي على نوعية العلاقات القائمة بين الدولة ومواطنيها. وعلى علاقة الاطراف السياسية بعضها البعض في حال وقوع اي خلافات او نزاعات داخل البلد فضلاً عن تركيز هذاا التقرير على دور الدين وتأثيره في السياسة ومضمون الخطاب الديني والسياسي ومتابعة تصوره وتحليل دلالات مصطلحاته ونوعية الاشكاليات التي يطرحها والأهداف التي يررمي اليها. وهي كلها مواضيع لم تتطرق اليها التقارير الاخرى المتعلقة بحقوق الانسان.

 

-        ثالثاً:واخيرا ان تحليل حالة التسامح في بلد معين يسمح باظهار مدى قابلية نشوء نزاعات والحروب الاهلية في هذا البلد ام عدمه، اذ ان هذا التقرير يبين درجة التسامح الموجودة بين كافة مكونات المجتمع، سواء في علاقة الاهداف السياسية بعضها ببعض او علاقة الدولة بالفرد او الافراد فيما بينهم. بحيث ان بروز حالة من التعصب واعمال العنف والانتقام او تحريم الأراء أو قمع وجهات النظر والحريات تشكل دليلا على حالة من اللاتسامح مما قد يؤدي الى نشوء مثل هذه النزاعات بينما بروز حالة من التفاهم والتلاقي وتقبل الاخر يُظهر لنا ان الحالة السائدة ضمن هذا البلد تكون اكثر ميولا نحو الاستقررار والهدوء والتفاهم مما بنعكس ايجابا على حالة التسامح.

 

·       المؤشرات الدينية والثقافية:

تظهر أهمية البحث في قيم التسامح الديني لما يتركه من اثر جوهري في الواقع الاجتماعي المعاش،كونه ضرورة وجودية تتيح متسعا لخلق اجواء ومناخات اوفر للحريات الدينية وما تنتجهمن استقرار حقيقي لمجتمع آمن ومتحرك بعيدا عن حلقات الصراعات والاقتتالات الطائفيةوالدينية والمذهبية.
ان تسليط الضوء على اهمية التسامح الديني تتمثل في كونهحقيقة ملموسة يجب تعاطيها، انطلاقا من سنة الوجود التي اقتضت ان يكون المجتمعالانساني في شكل تجمعات بشرية وهي ان اتفقت فيما يجمع بينها من وحدة الاصل والحاجةالى التجمع والحرص على البقاء والرغبة في التمكن من مقومات الحياة والسعي في اقامةالتمدن والعمران والتوق الى الارتقاء والتقدم، فانها قد تباينت في ما تتفرد به كلمجموعة من خصوصية عرقية ودينية وبيئية وثقافية.

من ذلك نتبين ان التنوع بين الناسافراداً وجماعات هو ظاهرة ضرورية اقتضتها الفطرة الانسانية واستلزمتها النشأة الإجتماعية. وهكذا نلحظ ان الغاية من اختلاف الناس الى شعوب وقبائلوتنوعهم الى ثقافات ومدنيات انما هو التعارف لا التناكر والتعايش لا الاقتتالوالتعاون لا التطاحن والتكامل لا التعارض وبات واضحا ان اهمية التسامح الديني تتمثلفي كونه ضروريا ضرورة الوجود نفسه، يقر الاختلاف ويقبل التنوع ويعترف بالتغايرويحترم ما يميز الافراد من معطيات نفسية ووجدانية وعقلية ويقدر ما يختص به كل شعبمن مكونات ثقافية فيها قديم ماضيه بجديد حاضره ورؤية مستقبله هي سبب وجوده وسربقائه وعنوان هويته ومبعث اعتزازه.
كما ان التسامح الديني يقتضي التسليم- اعتقادا وسلوكا وممارسة- بانه اذا كان لهؤلاء وجود فلأولئك وجود، واذا كان لهؤلاءدين له حرمته فلاولئك دين له الحرمة نفسها، واذا كان لهؤلاء خصوصية ثقافية لا ترضىالانتهاك فلاولئك خصوصية ثقافية لا تقبل المس ابدا.

من هنا، إن الحرية الدينية تتضمن في آن واحد حرية العقيدة وحرية الشعائر، فمن ناحية تفترض الحرية الدينية حرية الاعتقاد، أي حرية الفرد أن يختار عقيدة ما، ومن ناحية أخرى، فإنها تفترض حرية الفرد في ممارسة الشعائر الخاصة بهذه العقيدة سواء بصورة فردية أو جماعية، وبالإضافة إلى ذلك فإن الحرية الدينية تثير العلاقة بين الدولة والأديان، كما أنها تثير أيضاً العلاقة بين الأديان بعضها بعضا.

ومواثيق حقوق الإنسان كلها تنص على أن من حق الإنسان أن يعتقد ما يقتنع به من دين ومذهب ورأي، وأن يمارس شعائره وحريته الدينية، وأن على الحكومات في كل بلد أن تحمي هذه الحقوق لمواطنيها ولا تسمح بالنيل أو الانتقاص منها. فقد تكون في البلد أكثرية دينية، في ظل وجود ديانات أخرى من حقهم أن يلتزموا بدينهم وشعائرهم وممارساتهم وإن كانوا أقلية، وكذلك الحال إذا كانت هناك أكثرية مذهبية، فإنه لا يبرر الانتقاص من الحريات الدينية للأقليات المذهبية الأخرى.

ولرصد حالة التسامح الديني في بلد معين تم إعتماد بعض المؤشرات التي قد تساعد في معرفة ما إذا كانت حرية المعتقد مصانة ومحترمة في البلد وما إذا كان إحترام الإختلاف الديني والثقافي قائماً في المجتمع سواء من ناحية دور الدولة في تكريس هذا الإحترام أو من ناحية علاقة الأفراد فيما بينهم.

ولعل أبرز ما تم التركيز عليه في هذا التقرير هو التذكير أولاً بحرية المعتقد والحرية الدينية في الدستور والقانون اللبناني ملقين الضوء على اهم الاحداث التي حصلت خلال عام 2009 المتعلقة بالفتاوى الدينية وتأثير الدين في السياسة وما إلى ذلك من خطابات دينية أثارت جدلاً وأكدت في الكثير من الأحيان على إنعدام التسامح بين الطوائف اللبنانية، رجال دين وأفراد.

-       الديمغرافية الدينية:

نتيجة كون موضوع التوازن الديني مسألة سياسية حساسة للغاية، ما زال الإحصاء الرسمي السكاني الوطني غير متوافر نتيجة ذلك، فثمة غياب للمعلومات الدقيقةحول النسب المئوية للأديان والمجموعات الرئيسية. ويعتقد معظم المراقبون ان المسلمينيشكّلون الغالبية، لكنهم لا يمثّلون مجموعة متجانسة. ثمة كذلك مجموعة متنوعة منالفئات الدينية الاخرى، وخصوصا من الدينين المسيحي واليهودي.

ثمة 18 مجموعةدينية معترفا بها رسميا، وانماطها الاكليركية والديموغرافية هي في غاية التعقيد. وتعود الانقسامات والتنافسات بين المجموعات المختلفة الى 15 قرنا، وهي لا تزالعاملة اليوم. اما نمط الاستقرار فلم يتغير كثيرا منذ القرن السابع، رغم حصول انخفاضرقمي ثابت في عدد المسيحيين مقارنة مع المسلمين.

الفرعان الرئيسيان منالاسلام هما الشيعة والسنة. ومنذ القرن الحادي عشر برز وجود درزي ضخم، مركّز فيالمناطق الريفية والجبلية في شرق بيروت وجنوبها. الاقلية الاسلامية الصغرى همالعلويون، وجماعة الاسماعيليين الشيعة. والشيعة والسنة والدروز يملكون اجهزةاكليركية تعيّنها الدولة لادارة قانون الشؤون العائلية والاحوال الشخصية من خلالمحاكمهم الدينية الخاصة التي تقدّم اليها الدولة اعانات مالية.

الموارنة همالمجموعة المسيحية الكبرى، وقد كانوا طويلا وباستمرار مرتبطين بالكنيسةالكاثوليكية، لكنهم يملكون بطريركهم الخاص وكذلك طقوسهم الدينية وعاداتهم. اماالمجموعة الكبرى الثانية فهي كنيسة الروم الارثوذكس (المؤلفة من عرب وعرقيين حافظواعلى طقوس دينية باللغة اليونانية).

اما بقية المسيحيين فموزعون بين الرومالكاثوليك والارمن الارثوذكس (الغريغوريين) والارمن الكاثوليك والسريان الارثوذكس(اليعقوبيين) والسريان الكاثوليك والآشوريين (النسطوريين) والكلدان والاقباطوالانجيليين (بمن فيهم المجموعات البروتستانتية على غرار المعمدانيين والسبتيينوالصاحبيين) واللاتين (الكاثوليك). معظم المجموعات المسيحية تدير بدورهاشؤون قانون العائلة والاحوال الشخصية.

-       حرية المعتقد في الدستور والقانون اللبناني:

في لبنان ينص الدستور على حرية المعتقد الديني وحرية ممارسة كافة الشعائر الدينية، شرط ألا تؤثر على النظام العام. ويحتم الدستور على الدولة أن تحترم جميع الأديان والطوائف ويكفل احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية للأشخاص من جميع الطوائف الدينية. وتسمحالحكومة للأديان المعترف بها بممارسة نفوذها في المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصيةعلى غرار الزواج والطلاق والارث. ويؤكد الدستور أيضاً على المساواة في الحقوق والواجبات الممنوحة لجميع المواطنين دون تمييز أو تفضيل، ولكنه يشترط وجود ميزان قوى بين المجموعات الدينية الرئيسية. .

والحقيقة ان المادة التاسعة من الدستور ربطت الحرية الدينية على ما يقول الدكتور ادمون رباط في وسيطه (ص 865) "بالنظام الطائفي الذي يفرض على كل لبناني بأن ينتمي الى طائفة من طوائفه الرسمية وهي وضعية تجعل حرية الضمير مقيدة، اذ ان اللبناني لا يستطيع ان يبقى طليقا في حياته الاجتماعية وممارسته حقوقه السياسية، من الاطار الطائفي الذي ولد فيه او انتسب اليه".

وقد أشار التقرير الوطني للتنمية البشرية - نحو دولة المواطن عام 2008/2009، أنه في حين يضمن الدستور تساوي المواطنين اللبنانيين جميعاً، فإن التطبيق المجتزأ لإتفاق الطائف وتأويل بعض مواد الدستور تأويلاً إنتقائياً وغياب قانون مدني للأحوال الشخصية وإحالة الشؤون الخاصة للمواطنين على كل من الطوائف الدينية أو المذاهب ال 18 المعترف بها، قوّضت مبدأ المساواة بين المواطنين. ويكرس البند التاسع من الدستور حياد الدولة تجاه الطوائف والمذاهب، أي انها تعتبر كلها متساوية. لكن تعطى للسلطات الدينية المستقلة الرقابة الكاملة على مسائل الأفراد من طوائفها. وتطبق سبعة نظم مختلفة للاحوال الشخصية لثلاثة عشرة طائفة معترف بها وأربعة انظمة مختلفة للمواطنين المولودين من الطائفة الإسلامية، بالإضافة إلى عدد غير محدد من قوانين الاحوال المدنية. ويضيف التقرير أن هذا الامر خلق إزدواجية الإنتماء العام والخاص للمواطنين كأعضاء في جماعة وطنية وفي طوائف دينية محددة في نفس الوقت. وغالباً ما يعني ذلك في السياق الراهن غلبة الهوية المذهبية للأفراد على الهويات الأخرى بما فيها العائلية والعشائرية والمناطقية. كذلك وحين ترعى كل سلطة دينية مسائل مواطنيها من المهد إلى اللحد ويتمتع القضاة في المحاكم الدينية بمجال واسع في تفسير االتشريع، فإن رقابة الدولة لسلكوهم تتم عبر الهيئة العامة لمحكمة التمييز وتقتصر على متابعة الكفاءة في إصدار الأحكام وتحديد ما إذا خرقت هذه الأحكام مجالاً أساسياً من النظام العام. وكنتيجة يلجأ المواطنون غالباً إلى تغيير مذهبهم وذلك لتجنب قوانين الإرث أو غيرها من قوانين الأحوال الشخصية المملية من طائفتهم. والأكثر أهمية، إن ذلك يعني ضمناً ان الحقوق الفردية معترف بها فقط في حال إنتماء الفرد إلى طائفة محددة في حين أن البند التاسع من الدستور يضمن "أن حرية المعتقد مطلقة" للجميع.

من جهة اخرى ليست ثمة موانع قانونية للتحوّل من دين الى آخر، لكن المواقف التقليدية ومراسيمالمؤسسة الاكليركية لا تشجع على خطوة مماثلة.إذ إن هذا التغيير يرتبط بموافقة رئيس المجموعة الدينية التي يرغب في الانضماماليها.

كما انه حتى اليوم لا يوجد في لبنان قانون مدني يرعى مسائل الأحوال الشخصية، لا سيما قانون يختص بالزواج المدني، الذي لاقى معارضة واسعة من القيادات الدينية من كل الفئات عندما تقدم عام 1998 رئيس الجمهورية الياس الهراوي بتشريعالزواج المدني.

ويتناول قانون العقوبات الجرائم والمخالفات التي تتعلق بحرية المتعتقد فتنص المادة 473 منه ان كل من "يجدّف على الله علنا" يعاقب  بالسجنلمدة قد تصل الى سنة كاملة.وأثناء الفترة التي يغطيها هذا التقرير، لم يبلغ عن أية محاكمات بموجب هذا القانون.

-       دور الدولة والمؤسسات الحكومية في تكريس الحرية الدينية:

-        ان اي مجموعة تسعى الى الاعتراف الرسمي بها يجب أن تقدّم عقيدتها ومبادئهاالاخلاقية الى الحكومة كي تتم مراجعتها والتأكد من ان هذه المبادئ لا تتعارض معالقيم الشعبية ومع الدستور. ويجب ان تضمن المجموعة ان يكون عدد المنتسبين اليهاكافيا للحفاظ على استمراريتها. ويمكن المجموعات الدينية، بدلا من ذلك، العمل علىالتوصل الى الاعتراف بها من خلال مجموعات دينية قائمة. ويمنح الاعتراف الرسمي بعضالمكاسب على غرار الاعفاء من الضرائب والحق في تطبيق قواعد هذا الدين على مسائلالاحوال الشخصية. علماً أن الاعتراف الرسمي ليس مطلبا قانونيا للممارسةالدينية. فعلى سبيل المثال، ورغم ان البهائيين والبوذيين والهندوس لا يحظونبالاعتراف الرسمي فإنهم يمارسون ايمانهم من دون تدخل حكومي. لكنهم بحسب القانون لايستطيعون الزواج او الطلاق او الحصول على ارث في البلاد.

-        تسمح الحكومةبالتعليم الديني الخاص. وثمة جدال حاد حول مسألة التعليم الديني العام، لكن لم يتمتبني اي منهج نهائي. يسمح كذلك بنشر مواد دينية بلغات مختلفة. وقد جذبت التعدديةالدينية في البلاد ومناخ الحرية الدينية عددا كبيرا من اللاجئين الهاربين منالاضطهاد الديني في دول مجاورة، ومنهم الاكراد والشيعة والكلدان من العراقوالمسيحيون الاقباط من مصر والسودان.

-        تعمل الحكومة على تعزيز التفاهم بينالاديان عبر دعم لجنة للحوار الاسلامي - المسيحي يتولى رئاستها مسلم ومسيحي، وتضمممثلين من المجموعات الدينية الرئيسية. ويرحب بالشخصيات الدينية البارزة التي تدعمالحوار الاسلامي - المسيحي والانفتاح العالمي لزيارة البلاد، ويستقبلهم مسؤولونرسميون رفيعو المستوى.

-        لم يطرأ أي تغيير على وضعية احترام الحكومة للحرية الدينية أثناء الفترة التي يغطيها هذا التقرير، وظلت سياسة الحكومة تسهم في ممارسة الطقوس الدينية بحرية بصورة عامة. كما لم ترد أية تقارير مؤكدة عن إكراه أحد على تغيير دينه. علماً أن لكل طائفة أماكن عبادة خاصة بها، وهي لها مطلق الحرية في ممارسة تقاليدها وعاداتها وطقوسها الدينية. والملفت أنه يوجد في لبنان أماكن عبادة مسيحية وأخرى إسلامية ملاصقة لبعضها البعض في الكثير من المناطق اللبنانية، ولم يحصل أي خلاف من جراء هذا الأمر في الفترة التي يغطيها هذا التقرير.

-        في نفس الوقت، اتخذت الحكومة بعض الخطوات لتحسين الحرية الدينية، بما في ذلك مرسوم وزارة الداخلية في 11 شباط/ فبراير 2009 الذي أصدره وزير الداخلية زياد بارود ، الذي يسمح للمواطنين بحذف الإشارة إلى انتمائهم الديني من بطاقات الهوية الوطنية. وتمكن المواطنون من حذف الانتماء الديني من سجلاتهم في السجل المدني أثناء الفترة التي يغطيها هذا التقرير. ويمكن للمواطن أن يبرز إخراج القيد، وهو وثيقة مدنية تحتوي على المعلومات الشخصية، بدلاً من بطاقة الهوية عندما يتقدم بطلب إلى الحكومة لأي غرض كان، مثل الحصول على وظيفة حكومية أو الالتحاق بجامعة أو الحصول على وظيفة في جامعة.

-        وتعترف الحكومة بالأعياد التالية بوصفها أعياداً وطنية: عيد الميلاد لدى الأرمن، وعيد الأضحى، وعيد القديس مارون، ورأس السنة الهجرية الإسلامية، وعاشوراء، والجمعة الحزينة، وعيد الفصح (حسب الشعائر الغربية والشرقية)، والمولد النبوي الشريف (مولد النبي محمد)، وعيد جميع القديسين، وعيد صعود العذراء، وعيد الفطر، وعيد ميلاد المسيح. وتمنح الحكومة أيضاً للأرمن العاملين في القطاع العام إجازة يوم القديس فارتان.

-       التمثيل الطائفي في المناصب والوظائف العليا في الدولة:

ليس ثمة دين رسمي للدولة، لكن السياسة مرتكزة على مبدأالتمثيل الديني، الذي تم تطبيقه على كل الاصعدة الممكنة من الحياة العامة. فقد نصت المادة 95 من الدستور اللبناني المعتمد منذ العام 1926 (تم تعديل المادة في العام 1943 وحذفت منها عبارة عملاً بالمادة الأولى من صك الانتداب) على ما يلي:"بصورة مؤقتة والتماساً للعدل والوفاق تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وبتشكيل الوزارة دون أن يؤدي ذلك إلى الإضرار بمصلحة الدولة". واستناداً إلى هذا النص الدستوري تم توزيع المناصب السياسية والإدارية والعسكرية تبعاً للانتماءات الطائفية ولكل طائفة حصة معينة ليست بالضرورة متوافقة مع حجمها السكاني.
ثم تم تعديل نص المادة 95 استناداً إلى وثيقة الطائف بموجب القانون الدستوري الصادر في 21ـ9ـ1990 بحيث أصبح نصها الآتي:" على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية.مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية".

"وفي المرحلة الانتقالية:

أ ـ تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة.

ب ـ تلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة".

بقيهذاالنصحبرًاعلىورق،ولميوضعموضعالتطبيقبعدعشرينعامًامنإعلاناتفاقالطائففلم نلحظ حتى الآن سوى تعزيز للعصبية الطائفية وتكريس هذا الأمر عبر مراحل الانتخابات البرلمانية والوزارية، التي تعاقبت بالتوالي طيلة الفترات التي مر بها لبنان والتي كرست للطوائف التمسك بالحقوق المكتسبة وفق حق كل طائفة في التمثيل النيابي وعدد المقاعد التي تحظى بها وفق حجم وجودها على أرض الواقع، وما أعطاه النظام الدستوري لكل طائفة من الحقب الوزارية ومن الوظائف الرسمية لأتباعها، ومن مكتسبات كرستها لها عبر التاريخ من ممارسات مختلفة، وقد أبدت عدم التنازل عن هذه المكتسبات، التي اعتبرتها حق من حقوقها يجب المحافظة عليه، لأتباعها ولدورها السياسي.

والملفت أن رئيس مجلس النواب نبيه بري طرح في نوفمبر/ تشرين الثاني 2009 وبالتزامن مع تشكيل الحكومة اللبنانية موضوع إلغاء الطائفية السياسية وطالب بتشكيل هيئة إلغاء الطائفية السياسية المنصوص عنها في إتفاق الطائف معتبراً ان تشكيل هذه الهيئة الوطنية هو "واجب ينص عليه الدستور"، في بلد كل المسؤوليات والوظائف العامة موزعة بحسب الانتماء الطائفي.

وكان رئيس الجمهورية ميشال سليمان قد دعا في 21 تشرين الأول 2009 إلى إلغاء الطائفية السياسية قائلاً: "إن بناء الدولة في لبنان "يبرز الحاجة إلى تشكيل هيئة لإلغاء الطائفية السياسية في البلاد"، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن إقرار ذلك يتطلب التوافق الوطني طبعا، وذلك بعيدا عن المحاصصة، وعلى قاعدة توزيع المسؤوليات لا التنازع على الصلاحيات.

ولكن لم تشكل بعد هذه الهيئة حتى تاريخ كتابة هذا التقرير لان هذا الطرح لاقى إعتراضات من جهات مختلفة بحيث أعلن البطريرك الماروني نصرالله انه "مع الغاء الطائفية السياسية، ولكن يجب الاعداد لذلك، بحيث لا تلغى من النصوص قبل ان تلغى من النفوس".واعتبر النائب جورج عدوان (حزب القوات اللبنانية، مسيحي) ان طرح الغاء الطائفية السياسية "في ظل التشنجات المذهبية الحالية يعني الغاء طائفة معينة وهي المسيحيون". فيما راى النائب احمد فتفت (من تيار المستقبل ذات الغالبية السنية برئاسة سعد الحريري رئيس الحكومة) "ان الغاء الطائفية السياسية يعني القضاء على صيغة المناصفة بين المسيحيين والمسلمين".

من هنا مازالتبعضوظائفالفئةالأولىأوما يعادلهاوقفًاعلىطوائفمعينة،منهاعلىسبيلالمثالقيادةالجيشوحاكميةمصرفلبنانورئاسةلجنةالرقابةعلىالمصارفورئاسةمجلسالإنماءوالإعمارورئاسةمجلسالجنوب،ورئاسةمجلسالقضاءالأعلى،والأمانةالعامةلرئاسةالجمهوريةوالأمانةالعامةلمجلسالوزراءومحافظةبيروت. كذلكبقيتالرئاساتالثلاثفيالدولةحكراًعلىالطوائفالثلاثالكبرىبموجبعُرفحصين. وعلى ما جاء في التقرير السنوي للتنمية البشرية في لبنان عام 2009، حصرت المهام والإمتيازات الأساسية للدولة الوطنية بجماعات طائفية مختارة فخلق مجتمع سياسي قائم على التخصص الطائفي في أمور الدولة مع تقسيم العمل على الشكل التالي: الشيعة للتحرير، السنة لإعادة الإعمار، والموارنة للسيادة.

ويضيف هذا التقرير أن علاقة الدولة بالمواطنين أخضعت للمعايير الطائفية قانونياً وأصبحت "مقوننة طائفياً". فبالنظر إلى التوازن الطائفي الدقيق الذي يتطلبه النظام السياسي السائد أدى ذلك إلى وضع تتشابك فيه المصالح السياسية الراسخة مع الشبكات الزبائنية والمحسوبية الطائفية. وكثيراً ما تكون الجماعات المحلية بإرادتها ونفوذها ومصالحها المكتسبة أقوى من شرعية الدولة ونفوذها.

-       الخطاب الدينيوالتحريض الطائفي:

ما زال الخطاب الديني في لبنان يستخدم في الكثير من المناسبات الدينية والسياسية والإجتماعية كأداة تحريض بين الطوائف والمذاهب، ويظهر تأثيره في إنقسام الشارع اللبناني حيث ينعدم التضامن والتماسك بين المواطنين في الأزمات والإستحقاقات الكبيرة التي تتطلب تسامحاً وتقارباً بين جميع أبناء الوطن.

ومن أبرز الخطابات الدينية التي أظهرت إنعداماً للتسامح كان خطاب البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير عشية الإنتخابات النيابية إذ "حذر من خطر تهديد الكيان اللبناني داعياً لإحباط المساعي الحثيثة التي إذ نجحت ستغير وجه الوطن". وهو يشير بذلك إلى خطر فوز المعارضة بالإنتخابات النيابية مما قد يهدد ذلك الوجود المسيحي في لبنان. علماً أن المعارضة تضم جزءاً كبيراً من المسيحيين اللبنانيين مما شجع الإنقسام بينهم وخلق المزيد من التوترات بين أبناء الطائفة الواحدة.بل طال هذا الخطاب وبالدرجة الاولى، حزب الله كونه الحليف الابرز للجمهورية الاسلامية الايرانية التي أوحى البطريرك الماروني بأن العلاقة معها تمثل خطرا على لبنان وهويته العربية، ما يعني ان هناك تشكيكا بوطنية فئة واسعة من اللبنانيين تنتمي الى الطائفة الشيعية.

وفي حديث له أيضاً  الى "المسيرة" في 30/10/2009 أشار ان هناك في لبنان مَن يطلب الخير لبلدان سواهم اكثر مما يطلبونه لبلدهم، مشيرا الى ان السلاح والديمقراطية لا يتفقان كما ان الاكثرية والاقلية لا يمكن ان تلتقيا في حكومة واحدة. ولفت الى ان ثمة مَن في الداخل يستقوي بالخارج للحصول على مكاسب نيابية او وزارية، معتبرا ان حزب الله يعمل لمصلحة ايران اكثر مما يعمل لمصلحة لبنان.

وكان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قد إنتقد في خطاب له البطريرك الماروني نصرالله صفير بسبب مواقفه عشية الإنتخابات النيابية وتحذيره من ضياع هوية لبنان معتبراً ذلك أحد عناصر التأثير التي حسمت وجهة شريحة من الناخبين خلال الانتخابات، الى جانب عوامل أخرى تشمل المال السياسي والتحريض المذهبي والحضور الاغترابي. ولعلها هذه المرة هي من المرات القليلة التي يتولى فيها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الرد مباشرة وشخصيا على موقف للبطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير.

وقد أكد مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني في هذا المجال أن «المرجعيات الروحية هي صمام أمان للبنان واللبنانيين. ودورها توحيدي ووفاقي للمصلحة الوطنية، ومشروعها هو الدولة» داعيا «لطي ملف الانتخابات وتداعياته السياسية، لأنه أصبح من الماضي، والعمل على تأسيس مرحلة جديدة في التعاطي بين كافة الأفرقاء للتواصل والانفتاح الذي يريح المواطن، خاصة أننا على عتبة المشاورات لانتخاب رئيس للمجلس النيابي وتشكيل حكومة جديدة». وقال المفتي: «إننا نتطلع إلى دورة جديدة من العمل السياسي يرتفع فيها الخطاب السياسي إلى مستوى يفي بتطلعات أجيال الغد».

وقد شدد نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، على أن «لبنان لكل اللبنانيين ولكل الطوائف والمذاهب والأحزاب، لذلك تعالوا حتى نتعاون لإحياء المودة بين اللبنانيين ونضمد جراح الجرحى ونتعاون في ما بيننا على سد الخروقات، لا سيما أن هناك أناسا يخافون على لبنان، وهذا حقهم، لأنه ليس من المعيب أن يخاف أحد على لبنان، لذلك عليهم أن يعوا أن لبنان مهدد، ويجب أن نتعاون كلنا للحفاظ عليه، فنعقد قمة روحية في أي مكان لنتعاون ونتقارب على حماية وطننا والدفاع عنه، وكي نكون جميعا فداء للبنان، فنحفظه ونكفل بقاءه على الخير ونبعده عن كل شر».

ومن أبرز الخطابات أيضاً هي الكلمة التي ألقاها الأمين العام لـحزب الله السيد حسن نصر الله، وتحديدا اعتباره يوم 7 مايو (أيار) 2008 الذي قامت فيه المعارضة بعملية عسكرية ضد الموالاة في بيروت والجبل لإسقاط قرار الحكومة الذي يرفع الشرعية عن شبكة اتصالات الحزب «يوما مجيدا للمقاومة».

وهذا الخطاب أثار عاصفة من ردود الفعل واعتبر أنه تصعيدي وناري، فردّ الشيخ محمد رشيد قباني في 16/5/2009 بالقول:"لقد آن الأوان أيها الإخوة، أن نستفيد من كل العبر الماضية، وآن الأوان لكي يعيَ اللبنانيون مصالحهم، ويدركوا مخاطر ما يجري على الساحة الداخلية في وطنهم، ويبتعدوا عن خطاب التهديد والتهويل والتفجير، ويستثير النفوس والغرائز، ويملأ الأجواء بالفرقة والتنابذ والكراهية- لذلك لا بد من العودة كاملةً إلى مؤسساتنا الدستورية حتى نعمل داخلها،  ونعيدَ بناء الدولة على قاعدة الحرية بدون استبداد أو طغيان، والأمجادُ لا تُبنى على قتل الناس في شوارع بيروت، وانتهاكِ حُرُماتهم وكراماتهم ومؤسساتهم، بل إن ما حصلَ في السابع من أيار هوَ خطيئةٌ ما بعدها خطيئة بحق الدولة واللبنانيين جميعاً، ومهما علت أصواتنا فليس من الجائز أن تعلو على صوت الدولة والاستقواء عليها، وأياً كانت خلافاتنا وآراؤنا فحدودها وسقفها هو الدولة ومؤسساتها الدستورية والأمنية، التي هيَ ضمانة وجودنا وحريتنا وسيادتنا واستقلالنا بعد الله تعالى".

وقد رد الجوزو على نصر الله قائلا  ان يوم السابع من مايو لم يكن يوما مجيدا من أيام المقاومة، بل كان يوم العار والغدر. وأكد أنه "ليس شجاعة ولا بطولة ولا رجولة ما قام به حزب الله من عدوان على بيروت العاصمة، وعلى اهل بيروت الذين احتضنوا هؤلاء الذين وجهوا سلاح الغدر الى صدورهم، وليس صحيحا ما أورده الامين العام من حجج واهية لتبرير هذا العمل الجبان الذي كان توطئة لاشعال حرب مذهبية وطائفية كان يمكن ان تمتد آثارها الى المنطقة كلها.

بدوره، اعتبر رئيس "التيار الشيعي الحر" الشيخ محمد الحاج حسن, أن نصر الله فقد أعصابه أخيراً نتيجة انكشاف أمور عديدة تتعلق باهتراء بيته الداخلي وشبكاته التمددية نحو الساحة العربية, قائلا انه "من المؤسف والمحزن أن نسمع نصر الله يتباهى بتمجيد ذلك اليوم, الذي ألبس فيه المجتمع الشيعي الذل والعار لما ارتكبه هؤلاء من قتل وسفك للدم وإحراق للمؤسسات والبيوت والسرقات والنهب وتعذيب الشباب واعتقالهم.

وكان نصر لله قد دعا المسحيين في خطابه في ذكرى عاشوراء "إلى نقاش هادئ بعيداً عن الخطابات الحماسية والتصريحات الانفعالية، وإلى نقاش هادئ في ما بينهم وفي داخلهم في الخيارات الحالية والمستقبلية، والاستفادة من كل تجارب الماضي"،وإلى أن يعرضوا تجارب العقود الماضية وإلى أين أوصلت "لبنان، وخصوصاً المسيحيين في لبنان" رهانات بعضهم على إسرائيل والإدارة الأمريكية.

وقال لهم "كواحد من اللبنانيين، إن مصلحة المسيحيين في لبنان هي في لبنان وليست في أي مكان آخر، ومن مصلحتهم أن ينفتحوا ويتعاونوا ويتكاملوا مع بقية اللبنانيين، ومن مصلحتهم ألا يدخلهم أحد في خصومات وعداوات وحروب مع بقية اللبنانيين.

اضاف: يجب ألا يقبل المسيحيون أن يبقى بعضهم يدفع بهم دائماً إلى الانتحار بحجة الخوف المصطنع وإيجاد "بعبع" على نحو دائم ويومياً. اليوم، اللبنانيون، مسيحيين ومسلمين، أمام فرصة للتلاقي وللتعاون وللتوحد وللتكامل ولاعتراف أحدنا بالآخر، وهذه الفرصة لا يجوز أن تضيع".

أما الكنيسة المارونية فقد آثرت عدم الرد على كلام الأمين العام لحزب الله، كما قال راعي أبرشية جبيل للموارنة المطران بشارة الراعي. واكتفى الراعي بالقول إن "النهوض بلبنان يتطلب عدم الانجرار إلى المحاور الإقليمية"، مضيفا: "الاتهامات لا تنتهي وهذا لا يخلّص لبنان بل يشنّج الأمور ويؤجج المشاعر الداخلية".

 

ومن الاحداث التي طبعت ايضاً عام 2009 في هذا السياق،ما نقل عن جنبلاط في شريط فيديو صوّر في خلوة درزية إذ قال أن المسيحيين إنقرضوا ووصف الموارنة بالجنس العاطل.

 

وقد رد المركز الكاثوليكي للاعلام بالقول "ان هذا الكلام هو تجنّسافر من دون اي مبرر، ولا يليق بصاحبه، كما انه يطعن بأسس المصالحة التاريخية التيقادها غبطة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، والتي شكلتانطلاقة جديدة للعلاقات الداخلية ونموذجا لطي صفحات المظلمة، وارست قواعد الاحترامالمتبادل والعيش المشترك في الجبل". وقد أستغرب المركز ان يصدر مثل هذاالكلام بحق الموارنة وهم في طليعة الرجالات الذين انشأوا لبنان على مر التاريخبقيادة بطاركتهم، وما زالوا يحتلون الريادة في حضارة العيش معا المبني على القيمالانسانية والاخلاقية.  كما اكد اخيرا ان اي تعرض لطائفة في لبنان،وفي هذا الظرف بالذات، يهدد السلم الاهلي والميثاق الوطني المبني على الاحترامالمتبادل والمحبة والتسامح.

 

بعد عرضنا للعديد من الخطابات والمواقف التي عبّر عنها بعض رجال الدين في مناسبات مختلفة، والذين يعتبرون مراجعا دينة واحيانا سياسية لكل الطوائف اللبنانية باختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية، نستطيع ان نستشف مدى الانقسام الطائفي  الواضح في وجهات النظر بخصوص بعض المفاهيم الوطنية والدينية والاجتماعية كما ان هذا الانقسام يكشف بوضوح عدم ممارسة بعض رجال الدين لدورهم الديني المحض والذي من المفترض ان يساهم في التقريب بين الاديان والحد من الاستفزازات والتحريضات الطائفية.

 

ثانياً:المؤشرات السياسية:

مما لا شك فيه أنالتسامح يعني الاعتراف بالآخر، سواء كان اكثرية ام اقلية. التسامح يعني الاعتراف بحق الاخر في العمل والتنظيم والترويج لافكاره السياسية بعيدا عن اي قمع او ضغط يمارس ضده.

 إن الاحترام المتبادل لوجهات النظر وأساليب التفكير بينأبناء المجتمع الواحد يعزز الممارساتالديمقراطية والاستقرار السياسي ويخلق مساحة من التسامح بغية تجنب مظاهر العنف، والتعصب،والصراع السياسي الذي بتنا نشهده بوتيرة متزايدة.

وحيث أن الاعتراف بالتنوع والاختلاف يعتبر أمراً واقعاً ودليلاً على حيوية وغنىً،لكونه السبيل الأكثر أمناً لتحقيق "التعايش السياسي" بين مختلف الفرقاء السياسيينداخل المجتمع الواحد.

إن إشاعة القيموالفضائل والأخلاقيات المتعلقة بالتسامح، ، ليست فقط من اختصاص الدولةوسلطاتها المختلفة، ومؤسساتها التربوية والتعليمية، بل إن مؤسسات المجتمعالمدني لا بد ان تضطلع بدورٍ إيجابي في إطار أداء مهامها في التنشئة السياسية وتربيةالمواطن على المواطنة الحق.

والملاحظ أن العديد من الجماعات والقوى السياسية فيمجتمعاتنا تقوم بمعكوس هذا الدور؛ حيث يمكن للمتابع لخطابها السياسي أو ممارساتهاالحزبية ملاحظة أنها تقوم للأسف في غالب الأحيان بدورٍ تحريضي يساهم في تفشي ثقافة العنف وتوجيهها نحوالجماعات الأخرى، وتعزيز قيماللامبالاة، والتعصب، ووعدم احترام رأي الآخر. وهو الأمر الذي قد يطرح أكثر من علامةاستفهام عن سر هذا التفرد في المواقف، وعن المكاسب التي تجنيها تلك القوى السياسيةمن إثارة هذه الأجواء بين أبناء الوطن الواحد.

في الواقع إن ضرورة تجنب العنف بجميع صوره وأشكاله داخل المجتمعات،وبين جميع الأطراف السياسية المتصارعة يجب أن تأتي في مقدمة اهتمامات الأطرافالسياسية المختلفة سواء تلك التي في السلطة أم التي في صفوف المعارضة. ومن أجلتحقيق هذه الغاية يفترض أن تسير جميع النقاشات السياسية والفكرية بين القوىالسياسية في المجتمع الواحد بالطرق الحوارية السلمية.

لا يخفى على احد أن عام 2009 تخلله أزمة حكم فاضحة في لبنان أظهرت مدى قوة وفاعلية الضغوط الداخلية والخارجية على الشأن الداخلي اللبناني.كما وأظهرت كيفية تصرف الاطراف السياسية سواء الموالية والمعارضة مع بعضها البعض، إن على صعيد تحكمها بالشارع وفتح مجال العنف وتحكيم ميزان القوى، او على صعيد مدى لجوئها الى المؤسسات لتنظيم الخلافات، خاصة في مدى تجاوبها وتعاونها عند تمرير الاستحاقات.

في دراسة لأبرز المؤشرات السياسية لعام 2009 في لبنان، لا بد من التوقف  عند الاستحقاقات الكبرى التي حصلت لا سيما الانتخابات النيابية  وتشكيل الحكومة، والتي وضعت المجتمع في حالة إختبار حقيقي وجاد، كما ووضعت مؤسسات الدولة امام اختبار مدى قدرتها على حماية وحدتها الداخلية من خلال حؤولها دون تفجير الاوضاع برغم الاحتقان الطائفي والسياسي على حد سواء .

هذه الاستحقاقات عرضت باستمرار المؤسسات لمختلف اشكال المخاطر وفتحت المجال امام مظاهر عدم التسامح وان بشكل غير مباشر . فلا يمكن مثلا نكران الخطاب المحتقن للاحزاب السياسية خلال فترة الانتخابات، كما ولا يمكن غض النظر عن سلسلة الحوادث الامنية المتنقلة على الاراضي اللبنانية. لحسن الحظ مرت هذه الاستحقاقات وان بعد مخاض عسير، وما لبثتت ان تبلورت المصالحات السياسية وارسيت اجواء التهدئة.

تأتي هذه الدراسة الرصدية لحالة التسامح السياسي في لبنان وذلك وفق تناول أبرز أحداث عام 2009  ومدى انعكاسها على شتى المستويات .

إن عام 2009 ظللته أزمة النظام  اللبنانيالتي أرخت  بثقلها على كل مفصل من مفاصل أحداث هذا العام ومشتقاته.
كان 365 يوما اضافيا من أزمة الحكم في لبنان ، اذاعادت الطبقة السياسية الحاكمة انتاج نفسها ولكن بصيغة جديدة تتخذ من"الوسط "مرتعاً لها، كاسرة الاصطفافات الحادة بين "معسكري 8 و14 اذار"على مدى السنوات الاربعة الماضية اثر اغتيالرئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري في شباط /فبراير2005.

أبرز العناوين التي تركت بصماتها التغييرية على مشهدية الواقع السياسي في لبنانوالتي تختصر عام لبنان 2009السياسي هي:

  • 7 حزيران /يونيو- موعد اجراء الانتخابات النيابية،

§         المصالحات الكبرى وترسيخ أجواء التهدئة

  • تشكيل  المحكمةالدوليةالخاصة بلبنان
  • تشكيل الحكومة اللبنانية بعد مخاض عسير دامخمسة أشهر
  • الزيارة التاريخية التي قام بهارئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري الى دمشق.

 

 

-       الإنتخابات النيابية:

جرت الانتخابات النيابية في السابع من يونيو في ظل انقسام طائفي حاد تغذيه الشعارات التصعيدية ضمن تحالفين اساسيين أحدهما تحالف"8 اذار" المقرب من سوريا وايران، والثاني تحالف"14اذار" المحسوب على المحور السعودي لمصري والدول الغربية.

جاءت نتيجة الانتخابات لصالح تحالف "14اذار" الذي حصل على 71 مقعدا مقابل 57 مقعدا لتحالف "8اذار".

 بعد ذلك كان اول استحقاق انتخاب رئيس المجلس النيابي، فقد اعيد انتخاب رئيس "حركة امل" نبيه بري احد قيادات تحالف 8اذار- رئيسا لمجلس النواب.

اما الاستحقاق الثاني فكان تكليف زعيم تيار المستقبل سعد الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة. والجدير بالذكر ان خلال تلك الفترة علت في سماء بيروت طلاقات نارية وقذائف " ار بي جي" والرصاص والالعاب النارية.

وعاد شبح قتال الشوارع في تلك الفترة بعدما شهدت محلة " عائشة بكار" اشتباكا بالاسلحة النارية والقذائف والقنابل، مما أسفر عن مقتل امرأة واصابة اخرين تدخل في أعقابها الجيش اللبناني واتهم بالتراخي في ضبط عناصر مسلحة في الشارع.

-       وسائل الاعلام خلال فترة الانتخابات:

خلال فترة الانتخابات تحولت وسائل الاعلام التابعة للتحالفين الاساسيين والمملوكة منهما الى ادوات تحريضية برزت من خلال حدة الاستقطاب الطائفي. ما عكس التوتر على الشارع  البناني . سجلت خروقات بالجملة من جانب وسائل الاعلام لقانون الانتخابات ومع ذلك لم تحاسب اي من هذه الوسائل الاعلامية على هذه الخروقات.

-       الحكومة بعد مخاضٍ عسير

خمسة أشهر ونيف ،هي المدة الزمنية التي فصلت بين تكليف رئيس الاغلبيةالنيابية سعد الحريري تشكيل الحكومة وبين اعلانها، تخلل ذلك، اعتذار واحد،ما وضع لبنان على حافة المجهول.
كلّف سعد الحريري للمرة الاولى في 27 حزيران 2009 على ضوء نتائجالانتخابات التي عززته زعيماً للاكثرية،فاذا به يواجه عقبات وصفت بأنها"الأعتر في تاريخ لبنان".

ففي خضم تسمية الوزراء واختيار الحقائب فرضت شروط تعجيزية لا تقف عند حد تسمية الوزراء بل واختيار حقائبهم الوزارية. ما حدا بالرئيس المكلف للاعتذار عن التشكيل ليعاد تكليفه مرةجديدة.  نجح بعدها بتشكيل الحكومة اللبنانية في 19 تشرين الثاني /نوفمبر2009.

ضمت الحكومة 30 وزيراً، واحتفظت فيها الأغلبية ب15 مقعد،والأقلية بعشرة مقاعد وخمسة مقاعد وزارية اختار رئيس الجمهورية شاغليها.

لم يكد اللبنانيون يشعرون بالارتياح لدى التشكيل حتى عادت المراوحة تتحكمبالوضع السياسي في لبنان على خلفية مناقشة البيان الوزاري للحكومة ،ولاسيما البند "السادس "  الذي شرّع وجود المقاومة في لبنان، ما ادى إلى تحفظ مسيحيي 14 آذار.

وكما كانت الولادة عسيرة وتاريخية، فان الثقة التي نالتها الحكومةاللبنانية كانت قياسية بحجم الحدث ،121 نائباً من اصل 128منحوا الحكومةثقتهم،ونال حزب الله ضمانة بشرعية سلاحه.

-       الوضع الامني:

شكلت اراضي لبنان مساحة دسمة للاعتداءات الارهابية التي بدأت في عام 2005،متزامنة مع حرب عام 2006التيشنتها اسرائيل ضد لبنان .لكن عام 2009 كان عام "الهدنة" كمايصفه المراقبون السياسيون ،ولم تسجل حوادث اغتيال ،ولا اقتتالاتداخلية،لكن الشبح الامني بقي ماثلاً بقوة ،لا سيما عند وقوع احداث امنيةبسيطة في مناطق حساسة جغرافياً. 

ولم يشأ العام 2009 ان يغلق ابوابه ،الا على حادث "غامض وخطر الدلالات" بوصف المحلليلين، وهو الانفجار الذي استهدف قيادين من حركة حماس في منطقةالضاحية الجنوبية المحكمة السيطرة عليها امنيا من قبل حزب الله ،وسط حديثعن بصمات الموساد الاسرائيلي في العملية.

وبالتوازي ارتفعت هذه السنة نسبة "التهديدات الاسرائيلية" بشن حرب علىلبنان ككل وليس على حزب الله فقط،كان اخرها لوزير الدفاعالاسرائيلي ايهود باراك الذي قال ان "اسرائيل يمكن ان تشن حربا على حزبالله وحماس في الوقت عينه العام المقبل".

-       الزيارة التاريخية الى دمشق

قام دولة الرئيس سعد الحريري قبيل نهاية هذا العام بزيارة تاريخية لسوريا ليفتح بذلك مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين عنوانها الندية و الثقة والإحترام المتبادل.هذه الزيارة هي الأولى التي يقوم بها الحريري لدمشق منذ تسلمه مهامه كرئيس للوزراء، وتأتي بعد زيارتين قام بهما الرئيس اللبناني ميشال سليمان إلى دمشق. وفي الإطار ذاته أيضا قالت بهية الحريري، عضو البرلمان اللبناني وعمة رئيس الوزراء، إنه "من الطبيعي أن يزور سوريا كرئيس حكومة لكل لبنان". وأضافت "بالنهاية الدولة الأقرب لنا هي سوريا". وستنعكس هذه الزيارة على  استقرار لبنان وأمنه".إن إجراء أول محادثات مع الرئيس السوري بشار الأسد من شأنها طي صفحة من العلاقات المضطربة بين البلدين منذ اغتيال رفيق الحريري عام2005، كما ولا بد من شأن هذه  الزيارة  أن تفتح مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين.

-       المصالحات الكبرى وترسيخ أجواء التهدئة:

في بداية العام كان اللبنانيون منقسمون في خضم من النقاشات والصراعات أدت إلى عدة  إشكالات كان أبرزها إشكال عين الرمانة في7تشرين الأول 2009الذي ذهب ضحيته الشاب جورج أبو ماضي .كما و غيرها من صراعات متفرقة لا تتوقف .

أجواء المصالحات والتقارب بين الأطياف السياسية والمذهبية المختلفة خيّمت فجأة بعد الانتخابات وبسرعة، وسط أجواء شككت في أهداف المصالحات وأبعادها، في ظل معطيات إقليمية ودولية جديدة.

رئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط ينهي الانتخابات منتصراً مع حلفائه في قوى 14 آذار، ويبدأ جو المصالحات بلقاء الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. اللقاء الثاني الذي حصل بحضور الوزير أكرم شهيب وتيمور جنبلاط فتح الباب لعلاقة قوية جداً بين الطرفين. علاقة قال البعض عنها إنها ألغت سنوات من التمترس من الطرفين.

ذهب النائب الكتائبي سامي الجميل للقاء نائب زغرتا سليمان فرنجيه، إنه التاريخ والجغرافيا بين بيتين تحالفا منذ الخمسينات واختلفا من عهد كميل شمعون إلى عهد فؤاد شهاب وما تلاه من افتراق وتقارب وصولاً إلى العام 1978، حين افترق "البيتان" نهائياً، بين بيار الجميل الجد وكذلك سليمان فرنجية الجد الآخر.

بعد ذلك تسارعت اللقاءات بشكل كبير، وئام وهاب في بكفيا، وكذلك سليمان فرنجيه. وما ان لبثت ودخلت "بعبدا" باب المصالحات الكبيرة هذه المرة،جنبلاط وعون في لقاء «مصارحة» في القصر الجمهوري عند الرئيس ميشال سليمان. كما واستكملت المصالحات في لقاء بعبدا بين فرنجيه وجنبلاط. وأيضاً، وفي عزّ التحضير للانتخابات، يقوم النائب ميشال المرّ بالتصالح مع آل الجميل، ويتحالفان في معركة المتن الشمالي.

إذاً وباختصار أقل من ستة أشهر من المصالحات، وأكثر من خمسة أعوام من الصراعات، كان عام 2009.

-       المحكمة الدولية

شهدالعامالحاليبوادرانفراجبإعلانالأممالمتحدةعنتشكيل  المحكمةالدوليةالخاصةبمحاكمةقتلة رئيس  الوزراءالسابق رفيقالحريريو22آخرين. وبدأت أعمالهابلاهايفيالأولمنمارس.

صدرتالمحكمةفي29مارسقرارابإطلاقسراحأربعةضباطكانوارهنالاحتجاز للا شتباهبتورطهمفياغتيالالحريري. ومن شأن هذاالقرارأنيعززالمظهرالحيادي للمحكمة.

المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة رفيق الحريري ومرافقيه بدأت أعمالها بعدطولممانعة ولكن قرارها سيبقى مرهوناباللاعبينالدوليينوالإقليميين ومدى استعدادهم للتعامل بمسؤولية أكبرلمنعالإفلاتمنالعقابعلىذلكالنمطمنالجرائم.

-       لبنان في مجلس الامن الدولي

من ابرز الاحداث  الديبلوماسية التي حملها عام 2009 تمثلت بانتخاب لبنانعضوا غير دائم في مجلس الامن الدولي لمدة سنتين في السادس عشر من تشرنالاول/اكتوبر، بـ180 صوتا من اصل  190ليلعب دوره كما كان قبل سنة 1954وذلك بإثبات وجوده ومشاركته في ما يتخذه مجلس الامن من قرارات وتعاميم.

-       سياسيو لبنان كيف يقرأون عام 2009

النائب اللبناني في كتلة المستقبل احمد فتفت الذي ،رحّب بزيارة الحريري الى دمشق معتبراً انهاتأتي لخدمة "المصلحة اللبنانية"ووصف العام 2009 بعام "عودة الحياةالسياسية الى طبيعتها" ،بعد الانتخاباتالنيابية وتشكيل الحكومة الجديدة.

بدوره، اكّد مسؤول الهئية الاغترابية في الكتائب اللبنانية انطوان ريشا اناهم شيء في عام 2009 كان "حصول الانتخابات النيابية"واصفا العام الفائت "بعامالانطلاقة الجديدة".

امّا النائب عن حزب الله نوار الساحلي فرأى "ان حزب الله تمكن من تأكيدوجوده وحضوره السياسي  والعسكري الشرعي ،عبر اقرار البند السادس في البيانالوزاري " مشيراً الى ان "القرار الدولي 1559 لا يعني حزب الله لانه نص علىتفكيك الميليشيات غير الشرعية".

ايضاً المسؤول الاعلامي في التيار الوطني الحر ناصيفقزي اعتبر ان عام 2009 كان "عام  بداية انقشاع الضباب الذي لفَّحياتنا السياسيَّة والعامة منذ العام 2005، والذي كاد يهدِّد سلمناالأهلي. فنحن اليوم، كتيّار وطني حرّ، فخورون بأنَّ ما سعينا الى إرسائهمنذ عودة الجنرال ميشال عون من المنفى في 7 أيار 2005، من نهج الحوارالبنَّاء الى مبدأ الشراكة في الحكم وتعميم سياسة التفاهم وتنقية الوجدان،قد تحقَّق ليصبح مسارا وطنيا يحتذى".
ودعا قزي الى"المحافظةعلى ما تحقَّق من إنجازاتٍ وطنيَّة، لجهة قيام حكومةالوحدة، وتعميم المصالحات، وتصويب مسار الحكم عن طريق تفعيل قيام دولةالمؤسسات، الدولة القادرة والعادلة، لنشرع معا في ترسيخ الإستقرار السياسيوالأمني والإقتصادي المعيشي والنفسي".

ثالثاً: المؤشرات الإجتماعية

ينشأ التسامح عن عوامل عدة كما بيّنا فيما سبق ولعل أبرز تلك العوامل التي تؤثر على حالة التسامح في بلد ما هي العوامل الإجتماعية إذ إنها تقوم على قيم إنسانية وأخلاقية جسدها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكافة المواثيق الدولية وكرستها معظم القوانين والدساتير الوظنية.

وقد ربطت الفقرة الأولى من المادة الأولى من "إعلان مبادئ بشأن التسامح" بين ضمان العدل وعدم التمييز في التشريعات وفي إنفاذ القوانين والإجراءات القضائية والإدارية وإتاحة الفرص الإقتصادية والإجتماعية لكل شخص دون أي تمييز، وبين الإحباط والعدوانية والتعصب. فالتكامل الإجتماعي متطلب أساسي لإيجاد مجتمعات يسودها الوئام والسلام وشاملة للجميع.

ولا بد من التذكير في هذا المجال بما تم الإشارة إليه في التقرير السابق حول حالة التسامح في لبنان فيما يتعلق بمستويات التسامح الإجتماعي، بحيث نؤكد في هذا التقرير أيضاً ان التسامح الإجتماعي يأتي اولاُ على صعيد الدولة، فالدولة المتسامحة مع مواطنيها لا تميّز بين مواطنيها على أي أساسوتسعى دائماً لتحقيق المساواة بينهم عبر إقرار قوانين عادلة للجميع وعبر العمل على حسن تنفيذها في كافة نواحي الحياة، ويأتي التسامح الإجتماعي ثانياًعلى صعيد الأفراد والجماعات، فالأفراد المتسامحون والجماعات يقرون بإختلاف الآخرين، وقبولهم، ويستخدمون الوسائل السلمية لحل خلافاتهم معهم.

من هنا إن التسامح الإجتماعي ينبثق من اربعة أمور أساسية:

-        التكيف وقبول الآخر

-        عدم إسقاط الآخر إجتماعياً وتهميشه

-        الإعتراف بالمساواة والعدالة الإجتماعية

-        حق إبداء الرأي

من هنا تم التركيز في هذا التقرير على مؤشرات أساسية تتعلق بصورة رئيسية بالتمييز في التعامل بين مقيم ووافد أو بين حظري وريفي كما تم التركيز أيضاً على مدى وجود إحترام لمكانة المرأة في المجتمع وفي القوانين. فضلاً عن دراسة معمقة لحالة العمال الأجانب واللاجئين الفلسطينيين والعراقيين. مع التركيز طبعاً على حرية الرأي والتعبير والإعلام والصحافة.

-       التصنيف الإجتماعي:

إن أي محاولة قياس للتوزع الطبقيفي لبنانتصطدم، أولاً، بتبني تعريف موضوعي للطبقات، وخصوصاً في بلد مثل لبنان تتداخل فيه الإنتماءات وتتراكم بعضها فوق البعض؛ وثانياً، بغياب الإحصاءات والبيانات الإجتماعية والإقتصادية منذ ما قبل الحرب، وفي خلالها طبعاً، وحتى بعد انتهائها.

إلا أن تقرير التنمية البشرية عن لبنان لعام 2009 أشار إلى أن نسبة 20% من السكان يقع دخلهم بين خطي الفقر الأدنى والاعلى. وتمثل الفئتان نحو ثلث السكان المقيمين وتتركزان بصورة رئيسة في مناطق البلاد الطرفية ولا سيما في الشمال. كما أشار التقرير إلى أن مشكلة الهشاشة الإجتماعية تظهر بصورة رئيسية في أوساط شرائح إجتماعية تقف فوق خط الفقر الأعلى مباشرة أي نحو ثلث السكان المقيمين (32%) من الأسر تحظى بدخل شهري إجمالي أقل بمرة ونصف من دخل الفقر الأعلى. علماً أن خط الفقر الأدنى هو نسبة النفقات غير الغذائية بالنسبة إلى الأسر الذي يعادل إجمالي نفقاتها خط الفقر الغذائي. أما خط الفقر الأعلى فهو يقدر العنصر اللاغذائي في خط الفقر كنفقات الأسرة اللاغذائية بحيث تساوي النفقات الغذائية التي تصرفها هذه الأسرة خط الفقر الغذائي,

وقد بينت الدراسات التي أجريت أخيراً حول الفقر في لبنان أن 8% من السكان يعيشون في فقر مدقع أي دون خط الفقر الأدنى، وهذه الشريحة السكانية التي يبلغ عددها 300،000 نسمة عاجزة عن تلبية إحتياجاتها الأشد ضرورة للبقاء. ويضيف التقرير أن 28،5% من السكان هم مبتلين بالفقر في حين أن 20،5% من اللبنانيين يعيشون بين خطي الفقر الأعلى والأدنى.

وثمة تفاوتات مناطقية كبيرة تطبع إنتشار الفقر في لبنان. فإن مستويات الفقر هي الأدنى وقعاً في بيروت حيث يعاني من الفقر المدقع 0،76% من السكان، وحيث تبلغ نسبة الفقر الإجمالية 5،18% غير أن نسبة الفقر المدقع في محافظة جبل لبنان الشمالي مرتفعة إذ تبلغ 17،75% فيما تصل نسبة الفقر الإجمالية إلى 52،27%. ويسجل الشمال اعلى مستويات الفقر في البلاد. اما الجنوب الذي يضم منطقتين حضريتين كبيرتين(مدينتي صيدا وصور) فيأتي في المرتبة الثانية بين محافظات لبنان من حيث شدة الفقر إذ تبلغ نسبة الفقر المدقع فيه 11،64% والفقر الكلي 42،21%.

ولا تلاحظ التفاوتات بين المناطق وحسب بل ضمن كل منطقة أيضاً خاصة بين المناطق الحضرية والمناطق الريفية في ظل غياب تأمين الخدمات الإجتماعية من قبل الدولة بصورة عادلة للجميع مما يؤدي إلى إقصاء مجموعات من السكان إجتماعياً وحرمانها من الوصول إلى نوعية لائقة من الخدمات الإجتماعية مما يعترض الطريق أمام المساواة والعدالة الإجتماعية.

-       حقوق المراة اللبنانية:

لم يشهد عام 2009 أي تطور يذكر في مجال الدفاع عن حقوق المرأة اللبنانية فما زالت لا تتمتع بحقوقها المدنية والقانونية، وبقيت القوانين اللبنانية تميز بين الرجل والمرأة في الكثير من النواحي، واستمر تحفظ الدولة اللبنانية على إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة فيما خص قضايا الزواج والجنسية والولاية وغيرها.

إلا أن البيان الوزاري الأخير الذي وضعته الحكومة الجديدة التي تشكلت عام 2009 أكد أن الحكومة سوف تلتزم تعزيز دول المرأة في الحياة العامة، بما في ذلك على صعيد التعييناتالادارية في المواقع القيادية، وتنفيذ التعهدات التي التزمها لبنان في الاتفاقاتالدولية التي انضم اليها والتوصيات التي وافق عليها، ولا سيما اتفاق القضاء علىجميع انواع التمييز ضد المرأة. كما ستعمل على اعتماد خطة عمل لمكافحة ظاهرة العنفضد المرأة، بما في ذلك الانتهاء من مناقشة مشروع قانون حماية النساء من العنفالاسري، وعلى وضع سياسات وتشريعات لمكافحة الاتجار بالنساء والاطفال بهدف الاستغلالالجنسي والعمل القسري. وتشدد الحكومة على دور الهيئة الوطنية لشؤون المرأةاللبنانية وضرورة اقدارها وتوسيع صلاحياتها لتتمكن من اقتراح سياسات وطنية للقضاءعلى التمييز ضد المرأة وتنفيذها.

وقد رحبت منظمات المجتمع المدني بإدراج فقرة خاصة بالنساء للمرة الثالثة على التوالي في البيان الوزاري، ولكن المشكلة تكمن اولا في الضبابية بتناول حقوق المراة ضمن البيان، وثانيا بالتجاهل التام لثلاث حقوق اساسية تسعى النساء اللبنانيات للحصول عليها وهي متعلقة بمواضيع الجنسية/الاحوال الشخصية والكوتا.

وتتميز هذه الحكومة الجديدة بمشاركة وزيرتين وقد استلمت الحقائب التالية: وزارة المالية، ووزارة دولة.

1-    المرأة اللبنانية والقانون:

لا بد من الإشارة في هذا المجال إلى ان الدستور اللبناني لا ينص صراحة على المساواة بين الرجل والمرأة كما تفعل معظمالدساتير الأخرى، إنما هو يعترف بالمساواة التامة لجميع المواطنين أمام القانون.

ولكنلا يوجد في القانون أي نص يحول دون تمتع المرأة بالأهلية القانونية، فلها الحق في العمل وفرص التوظيف وتساوي الأجور والأمن الوظيفي و ديمومة العمل وإجازة الأمومة و رعاية الأطفال و الوقاية الصحية وسلامة العمل. كما لها الحق فيالقروض المصرفية والرهون العقارية، كما تعامل المرأة رسميا" بشكل متساو مع الرجل فيما يختص بأهليتها القانونية فيإبرام العقود وإدارة ممتلكاتها. كما تستطيع تلقي الرعاية الصحية كوسائل منع الحملدون إذن زوجها إلا في بعض المناطق النائية حيث التوعية ناقصة أو خجولة سواء للمرأةأو للرجل.

وللمرأة حق إبرام العقود المتعلقة بالإئتمان والعقارات والممتلكات الأخرى كماتمارس العمليات التجارية وإدارة أعمالها دون إجازة من زوجها وبإسمها الشخصي بعد تعديل قانونالتجارة.

ومن ناحية أخرى، تعامل المرأة على قدم المساواة مع الرجل أمام المحاكم فيجوز لها أن تدعي وأنيدعى عليها، كما يمكنها تقديم الشكاوى بإسمها الشخصي وللمرأة الأهلية للشهادة أمامجميع المحاكم والمؤسسات الحكومية ولهذه الشهادة نفس وزن شهادة الرجل. كما يحق للمحاميات النساء أن يمثلن موكليهن أمام المحاكم والهيئات القضائيةالخاصة ويحق لهن أن يكن عضوات في هيئات المحلفين والهيئات الأخرى التي تضمالمواطنين. كما يمكن للنساء العمل في سلك القضاء في المحاكم المدنية ولكن ليس فيالمحاكم الشرعية التي تبقى من صلاحية الرجل ما عدا الطائفة الإنجيلية حيث توجدامرأة في المحكمة الروحية الإنجيلية.

وللمرأة والرجل الحقوق القانونية نفسها بالنسبة لحرية الحركة وإختيار السكنومحل الإقامة إلا أن التقاليد والعادات تحد من قدرة المرأة على ممارسة هذا الحق إذأن محل سكن المرأة هو سكن أبيها أولا" وزوجها ثانيا".

على الرغم من ذلك، نجد في القوانين اللبنانية الكثير من وجوه التمييز ضد المرأة لا سيما في قانون العمل والضمان الإجتماعي، فيقانون الجنسية، قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات.

فعلى صعيد قانون الجنسية لم يقر القانون المتعلق بحق المراة اللبنانية بإعطاء الجنسية اللبنانية لاولادها ولكن فيحكم حديث لمحكمة الدرجة الأولى في جبل لبنان صادر بتاريخ 16/6/2009 عن الغرفة الخامسة في جديدة المتن ـ الناظرة بقضايا الاحوال الشخصية برئاسة القاضي جون القزي وعضوية القاضيين رنا حبقا ولميس كرما رأت المحكمة: أن المادة الرابعة من القرار 15 تاريخ 19/1/1925التي تنص على أنه: "يعتبر لبنانياً الابن القاصر لأم تجنست بالجنسية اللبنانية وبقيت حية بعد وفاة زوجها الاجنبي" وهذا يعني أن هذه المادة سكتت عن حال القاصر المولود من أم لبنانية في الأساس احتفظت بجنسيتها أو استعادتها وكان أولادها لا يزالون قصرا لدى وفاة والدهم وأنه من حيث التسلسل المنطقي والقانوني السليم يقتضى اعتبار الام اللبنانية الاصل مشمولة بالمادة السابقة، إذ من غير المنطقي اعتبار المتجنسة في مركز افضل من اللبنانية الاصل التي احتفظت بجنسيتها. فمن غير المتصور أن القانون اللبناني قد أعطى للمرأة الاجنبية الافضلية على المرأة اللبنانية، وأن كل قانون يلحظ حقوقا، يلحظها لصالح المواطن قبل الاجنبي.

كما رأت أن عليها كمحكمة ناظرة بقضايا الأحوال الشخصية أن تراعي مصلحة العائلة والمعنيين برابطة النسب في ضوء القوانين المرعية والمبادئ الموجهة، بصفتها حامية للعائلة ولاستقرارها لأنها هي المكون الاساسي للمجتمع الذي يستمد منه القاضي سلطته ويحكم باسمه.

وبناء على ما تقدم، يكون توسُّل التفسير الضيق والحرفي للنص يؤدي إلى تمييز بين فئات المواطنين المتساوين بحسب الدستور حقوقاً وواجبات، فضلا عن التمييز بين المتزوجات اللبنانيات والمتزوجات الاجنبيات مع ما يستتبع ذلك من مُعاناة وألم معنوي للأم اللبنانية الأصل، خاصة عندما تقوم الدولة بمعاملة أولادها القاصرين معاملة الاجنبي عن وطنه الأم، لناحية إجرائهم معاملات الاقامة كغرباء أسوةً بالأجانب لتشريع اقامتهم.

اما على صعيد قانون العقوبات فما زال التمييز بحق المراة قائماً في العديد من النواحي لا سيما في:

أ - جرائم الشرف:  لم تعدل المادة 562 من قانون العقوبات التي أبقت على العذر المخفف أي تخفيف عقوبة مرتكب جرائم الشرف، وهذا مخالف ليس فقط لإتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة بل لكل المواثيق الدوليةالمتعلقة بحقوق الإنسان, إذ يشجع على القتل والإيذاء.

وقدأشارت الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة أنهتبيّن من خلال الأحكام الصادرة بين عامي1995 و1998 على سبيل المثال أن الجرائم التي تدور حول الشرف والتي ارتكبها الأخ بحق أخته بلغت 22 جريمة من أصل 36 .ويأتي الزوج في المرتبة الثانية(7 جرائم ارتكبها الزوج من أصل 36 )، فالأب(6 جرائم من أصل 36 )، فالابن(حالة واحدة من أصل 36 ). ما يعني ان القاتل في جرائم الشرف في أكثر الحالات هو الرجل. وقد أظهرت دراسة صدرت في العام 1999 إستناداً إلى سجلات السلطات اللبنانية بين هذين العامين أن جرائم الشرف في لبنان كانت في حدود 12 جريمة سنوياً.

وتبين دراستين عن قتل النساء في لبنان صادرتين في العام 2007 و2008 بإشراف الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة وجمعية "كفى" أن 26 في المائة من أصل 66 جريمة قتل متعمد ضحاياها من النساء كانت دوافعها تتعلق بالشرف، غير أن 55 في المائة من الأحكام التي صدرت بحق مرتكبيها كانت تتسم بالرفق والتساهل وتراوح بين تبرئتهم والحكم عليهم بالسجن لمدة لا تزيد عن 14 أو 15 سنة في حين أن عقوبة القتل من الدرجة الأولى في لبنان هي السجن المؤبد أو الإعدام.

علماً أنه لا يوجد تقارير واضحة ودقيقة حول عدد جرائم الشرف التي حصلت خلال عام 2009، إلا ان كافة التقارير المتعلقة بحقوق الإنسان تصفها بالكثيرة، وقد اعتبر التقرير الوطني للتنمية البشرية لعام 2009 أن هذه الجرائم تستمر في لبنان في غياب قانون يتناول العنف الأسري وفي ظل وجود قانون جنائي يتساهل مع من يرتكب هذه الجرائم. وأضاف هذا التقرير أن عدد هذه الجرائم التي تقع ضحيتها النساء ليس دقيقاً فنسبة النساء اللواتي يبلَغ عن إقدامهن على الإنتحار او الموت نتيجة التسمم او المرض المفاجئ مرتفعة جداً في مناطق معينة وبشكل غير مبرر مما يعزز الإعتقاد انهن قتلن.

ب - أحكام الزنا: إن المواد 487 و 488 و 489 من قانون العقوبات تميز بين الرجل والمرأة من حيثشروط تحقق الجريمة ومن حيث العقوبة المفروضة على مرتكب فعل الزنا وكما للإثبات. إذتعتبر المرأة زانية سواء حصل الزنا في المنزل الزوجي أو في أي مكان آخر, بينمالا يعاقب الرجل الزاني إلا إذا تم فعل الزنا في المنزل الزوجي أو إذا اتخذ له خليلةجهارا" في أي مكان كان.كما ان العقوبة المفروضة على الرجل الزاني هي من شهر إلى سنة بينما عقوبة الزانية هيالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين.

ومن ناحية أخرى شريك المرأة الزانية لا يعاقب بالعقوبة نفسها إلا إذا كان متزوجا" بينما تنزلبالمرأة الشريك عقوبة الزاني نفسها أكانت متزوجة أم لم تكن.

كما أن الإثبات في الزنا يؤكد أيضا" التمييز, فإثبات الزنا بحق الزوجة يحصلبشهادة الشهود أو بالقرائن بينما يبرئ المتهم بالزنا معها لعدم وجود الرسائلوالوثائق الخطية الصادرة عنه أي لعدم توفر الدليل القانوني. كما أن الدعوى تسقط إذا رضي الرجل استئناف الحياة المشتركة.

 إن الأحكامالمتعلقة بالزنا في القانون اللبناني هي مخالفة للمساواة التي يكرسها الدستوراللبناني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والإتفاقات الدولية ولا سيما إتفاقيةالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

ج - الإعتداء على العرض:إن المواد 503 – 522 من قانون العقوبات التي تتعلق بالإغتصاب والفحشاء والخطفوالإغواء والتهتك وخرق حرمة الأماكن الخاصة بالنساء, بعضها يسيء إلى المرأة ويعرضهاإلى العنف البيتي والعنف الجنسي والعنف النفسي.

د- البغاء:إن الأحكام القانونية المتعلقة بالبغاء هي المنصوص عليها في قانون العقوباتاللبناني وفي حفظ الصحة العامة.ينظم القانون شروط فتح بيوت الدعارة ويخضعها لإجازة المحافظ ويحظرها للذكور.

كما يفرض شروطا" على صاحبة بيت الدعارة من ناحية العمر, واستخدام فتيان أو فتياتدون الثامنة عشر من العمر أو بنات إبكارا" وشروطا" تتعلق بالصحة العامة أو بأوقاتالعمل وبالخضوع للمعاينة الطبية والإستشفاء. يمنع القانون الدعارة السرية منعا" باتا" ويعاقب من يتعاطاها, كما يعاقب النساءاللواتي يرتكبن التحرش.حتى اليوم لم تقر الدولة قانون لحماية الآداب العامة بإقفال بيوت الدعارة. ولابد من قوانين تحافظ على كرامة المرأة واستحداث قوانين صارمة وعقوبات شديدة بحق كلمن يتاجر بالمرأة ويستغل الدعارة وفقا" لما نصت عليه المادة 6 من إتفاقية القضاءعلى جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

وعلى صعيد قانون العمل والضمان الإجتماعي، يظهر التمييز في الأحكام المتعلقة بإجازة الأمومة، حماية المرأة من التحرش الجنسي، التعويض العائلي ونظام التقاعد والصرف، والأحكام المتعلقة بنظام الطبابة والإستشفاء وتلك التي تتعلق بفئتين مستثنأتين من هذين القانونين وهما الخدم في المنازلوالمرأة العاملة في القطاع الزراعي.

فيستفيد الموظف او الاجير من التقديمات التعليمية سندًا للمادة الثالثة من نظام المنافع والخدمات وسنداً لاحكام الضمان الاجتماعي في حين لا تستفيد الموظفة او الاجيرة من التقديمات التعليمية عن اولادها الا اذا كانوا على عاتقها، وتتقاضى عنهم تعويضات عائلية او اذا كانت متزوجة من مستخدم لا يتقاضى منحة مدرسية عن اولاده. ولا تستفيد المضمونة من ضمان الامومة الا اذا كانت منتسبة للضمان منذ عشرة اشهر على الاقل قبل فترة الموعد المفترض للولادة، في حين لا ينطبق هذا الشرط على زوجة المضمون.

وقد تم تقديم مشروع قانون من قبل الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية الى المجلس النيابي لتعديل احكام قانون الضمان الاجتماعي بغية تحقيق المساواة بين المضمون والمضمونة لجهة افادة الزوج او الزوجة من تقديمات الضمان الاجتماعي بالشروط نفسها. إذ يفترض القانون ان الموظفة او الاجيرة لا تتحمل اعباء اعالة الاولاد إلا بسبب الترمل او عجز الزوج او غيابه فلا تستفيد الاجيرة الموظفة من التعويض العائلي الا في حالات معينة.

 

ونشير أخيراً في هذا السياق إلى التمييز بحق المراة في قوانين الأحوال الشخصية، فتظهر عدم المساواة بين الرجل والمرأة في المهر والبائنة فهي تجعل من الاخيرة كائنًا دونيًا لا يتمتع بأي حق. هذا فضلاً عن مسألة الطلاق إذ يضيق المجال في طلب الطلاق او البطلان او فسخ الزواج بالنسبة للمرأة قياسًا على المجال المعطى للرجل في هذا الاطار.

 

2-    المرأة اللبنانية والعنف:

 

إن العنف ما زال يطال المرأة اللبنانية من كل الفئات الاجتماعية الفقيرة والغنية والمتعلمة ولا يظهر الى العلن إلا اذا ما وصل الى حد القتل او اقترب منه. وبالرغم من كل هذا وبرغم التوصيات والمؤتمرات المحلية والدولية المناهضة للعنف الاسري ضد المرأة، فإن الواقع يدل على استمراريته حيث لا يزال العنف ضد المرأة في لبنان كما كل القضايا المتعلقة بالمرأة خارج اجندة الاولويات الوطنية ويغيب عن التداول في الحالات الامنية والسياسية الصعبة.

إن إحصائيات المديرية العامة للأمن الداخلي تشير الى حصول 1302 حالة اعتداء على النساء· كما أظهرت دراسات على عينة من 300 إمرأة عام 2008 أن نسبة اللواتي يخضعن لعنف كلامي 87% أما اللواتي يتعرضن لعنف جسدي فبلغ 68.3% ويتمثّل العنف الكلامي كما وصفته المستَجوبات بأنه كلام بذيء منه: تشبيه بالحيوان بينما يتمثّل العنف الجسدي بالضرب بجميع الأدوات: بالعصا والأيدي والأرجل والحبل والضرب وينتهي بالحرق والتعذيب بركوة القهوة والمكواة أو بالماء الساخنة أو بالخنق في قسطل المياه الباردة أو الحارة· وفي وصف المستوجبات للعنف النفسي، تبيّن أن 90% يتعرضن للعنف النفسي إما بالخوف والتوتر الناتج عنه والضغط عليهن وإهمالهن وتهميشهن وعدم الثقة بهن وإذلالهن وإحضار عشيقته الى المنزل.

أما بالنسبة للعنف الجنسي فإن 55% من النساء يتعرضن له إما بهجرها أو استبدالها بعلاقات خارجية أو الشذوذ في الممارسة الجنسية وإجبارها على معاشرة أصدقائه بطريقة جماعية أو بضربها أثناء المعاشرة الجنسية·

وأجريت دراسة أخرى على عينة من 100إمرأة مثقّفة كشفت عن أسباب العنف فذكر 22% منهن أنه عائد الى طبيعة شخصية الزوج غير المستقرة وإثبات ذاته على حساب زوجته و 22% ذكرن أنه نتيجة لإدمان الزوج على الكحول والمخدرات ولعب الميسر، و25% للتربية الأسرية والانسانية الى صفاته الاخلاقية كالطمع والانانية والإتكالية والبخل والغيرة و 7% الى الخيانة الزوجية و4% الى مرض نفسي أو مشكلة صحية·

علماً انه لا يوجد إحصاء دقيق أو معلومات نهائية حول عدد النساء اللواتي يتعرضن للعنف نظراً لكون هذا الموضوع حساساً بنظر النساء ويختص بالعائلة فقط فضلاً عن خوفهن من الإفصاح عن هذا الامر لما قد يشكل ذلك سبباً إضافياً يتذرع به الأب او الزوج او الاخ لممارسة العنف ضدها مجدداً.

وفي فبراير/ شباط 2009، أوصت "اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة" التابعة للامم المتحدة بأن تسن السلطات اللبنانية قانوناً يجرّم العنف ضد المرأة، وأن تكفل توفير سبل الحماية على الفور للنساء والفتيات اللواتي يتعرضن للعنف وان تضمن محاكمة مرتكبي هذه الإنتهاكات ومعاقبتهم، وان تعدّل قانون العقوبات بما يكفل عدم تهرب مرتكبي ما يسمى "جرائم الشرف" من االعقاب

علماً أن حتى اليوم لم يتم إقرار مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري الذي قدم إلى رئاسة الوزراء في آب 2009 من قبل منظمة "كفى عنفاً وإستغلالاً" والذي تبنته الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبناينة. وأهم ما ينص عليه القانون هو تجريم العنف الأسري، الحفاظ على سرية وخصوصية الجلساتوالمحاكمات، استحداث قطعة متخصصة بالعنف الأسري لدى قوى الأمن الداخلي، إلزامالمعنِّف باللجوء الى مراكز تأهيل بواسطة قرار الحماية، إمكانية تحريك الشكوى عنطريق الإخبار وإلزام المدعى عليه بتأمين سكن بديل أو ترك المنزل.

-       العنف والتمييز ضد العمال الأجانب:

 

1-    العاملات الأجنبيات في المنازل:

لا تزال الخادمات الأجنبيات، في الفترة التي يغطيها هذا التقرير، تتعرض لأسوأ المعاملات والإعتدءات على أيدي مخدوميهن كما لا يزال القانون اللبناني قاصراً عن تأمين الحماية لهن من التمييز والعنف.

ووفق إحصاءات منظمة «حقوق المهاجرين» فإن عدد العاملات النيباليات في لبنان يبلغ 17 ألف فتاة، فيما العدد الإجمالي للعاملات في المنازل حالياً هو 200 ألف عاملة، في وقت جاء فيه تقديرالمديرية العامة للأمن العام أكثر تواضعاً: 55 ألف خادمة أجنبية، بينما قدرت "جمعيةكاريتاس" ـ مركز الاجانب، عدد غير الشرعيات فقط بنحو 50 ألفاً. معظم الخادمات من سري لانكا، واثيوبيا، والفلبين،ونيبال، وبنغلاديش ومدغشقر.

وقد أشارت منظمة العفو الدولية في تقريرها لعام 2009 أنه توفيت 45 خادمة أجنبية على الأقل لأسباب غير طبيعية، وتوفيت كثيرات منهن على ما يبدو من جراء الإنتحار او السقوط أثناء محاولتهن الهرب من البنايات العالية التي يعملن فيها. ولم تقم السلطات عموماً بإجراء تحقيقات كافية بخصوص تلك الوفيات والإنتهاكات التي يحتمل ان تكون قد سبقتها.

علماً أنه في يناير/كانون الثاني 2009 خرجت وزارة العمل بعقد عمل نموذجي فيه بعض الشروط والمواصفات الخاصة بتوظيف عاملات المنازل، مثل تحديد حد أقصى لساعات العمل اليومية، وكذلك نظام جديد لوكالات استقدام العمال يهدف إلى تحسين الإشراف على أعمالها. إلا أن العاملات ما زلن مستبعدات من قانون العمل اللبناني، وما زالت لا توجد آليات لتنفيذ القواعد الحالية الحاكمة لعمل عاملات المنازل.

وفي سابقة لا مثيل لها صدر في 9/12/2009 حكم عن القاضي المنفرد الجزائي في البترون، قضى بإدانة لبنانية تعرضت بالضرب للعاملة الفيليبينية التي كانت تعمل في منزلها. أدينت المدعى عليها بالجنحة المنصوص عليها في المادة 554 عقوباتأي إيذاء الأشخاص قصداًوبحبسها مدة 15 يوماً، وبتغريمها مبلغ خمسين ألف ليرة، وبإلزامها أن تدفع للمدعية (أي العاملة الفيليبينية) جونالين ماليباغو مبلغ عشرة ملايين وثمانمئة ألف ليرة بدل عطلها وضررها. كذلك قضى الحكم بردّ سائر الأسباب والمطالب «ولا سيما طلب المدعى عليها الرامي إلى دعوة المدعية وإحضارها من بلدها»، وأخيراً تضمين المدعى عليها ف. ص. نفقات المحاكمة. وما يزيد من أهمية هذا الحكم بالنسبة إلى الخبراء القانونيين، أنه صدر مع وجود المدعية خارج البلاد، أي إن القضاء انتصر لعاملة أجنبية بعدما غادرت الأراضي اللبنانية. وقد استند الحكم إلى تقدير الطبيبين الشرعيين اللذين فحصا جونالين، خلال وجودها في المستشفى بناءً على تكليف من النيابة العامة الاستئنافية في بيروت، وأكدا وجود «كدمات في مختلف أنحاء جسم المدعية من دون وجود أي مرض في الدم وفقاً للفحوصات الطبية». وفي تقرير أحد الطبيبين أن العاملة تعاني أيضاً أوجاعاً في فروة الرأس، وأن الكدمات التي تعانيها ناجمة عن صدمات مباشرة.

وفي فبراير/ شباط 2009، أوصت "اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة" التابعة للامم المتحدة بأن تسن السلطات اللبنانية قانون ينظم عمل الخدم والخادمات المستبعدين من نطاق "قانون العمل" وإلى حماية الخادمات من العنف والإستغلال.

وقد دعت هيومن رايتس ووتش لجنة التوجيه الرسمية المعنية بتحسين أوضاع عاملات المنازل التي تأسست في مطلع عام 2006 إلى البدء في تعقب حالات الوفاة والإصابات، لضمان تحقيق الشرطة فيها على النحو الملائم وللخروج باستراتيجية واضحة لتقليل هذه الوفيات. ويجب أن تشمل هذه الاستراتيجية مكافحة ممارسات الحبس داخل المنزل، وتوفير خط ساخن للعاملات لتقديم الشكاوى، وتعيين مفتشي عمل، وتحسين أوضاع العمل وضمانات الحماية في قانون العمل.

وفي 4 سبتمبر/أيلول 2009، أهاب المرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل الله بالمخدومين ألا يسيئوا معاملة الخادمات الأجنبيات ودعا السلطات إلى توفير حماية أفضل لهن.

وقد جرت العديد من الإعتصامات والإستنكارات خلال هذا العام دفاعاً عن العاملات الاجنبيات ولعل كان اهمها  "التحرك التضامني للإضاءة على الانتهاكات الإنسانية التي تصيب العاملات الأجنبيات في لبنان نهار الأحد 8 آذار 2009 أمام مسرح المدينة وذلك بمناسبة يوم المرأة العالمي. تخلل هذا التحركتوزيع بيان بالإنكليزية وبالعربية من قبل المنظمين وهم جمعية "كفى" لمناهضة العنف ضد المرأة، و "مجموعة الأبحاث والتدريب للعمل التنموي" و"هيومان رايتس ووتش" بالإضافة الى عدد من الناشطين المستقلين. تضمن هذا البيان معلومات وحقائق عن عاملات المنازل الأجنبيات في لبنان. ويحدد هدف التحرك بأنه "لمطالبة السلطات اللبنانية بحماية عاملات المنازل الأجنبيات ومطالبة أرباب العمل بمعاملتهن كنساء عاملات لهن حقوق يجب إحترامها".

2-   العمال السوريين:

ما زال العمال السوروين يتعرضون للممارسات العنصرية التي تصاعدت وتيرتها بعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005. وأبرز هذه الممارسات العنصرية ظهرت في الإعتداء على حافلة سورية  في 21 ديسمبر 2009 إذ أطلق مسلحون مجهولون النار على حافلة تنقل 25 عاملا سوريا في منطقة دير عمار على الحدود اللبنانية السورية قتل على أثرها شخص وأصيب ثلاث آخرون. وجاء هذا الحادث إستنكاراً لزيارة رئيس الحكومة سعد الحريري لدمشق بعد توترات دامت 5 سنوات بين لبنان وسوريا.

-       أوضاع اللاجئين في لبنان:

إن عام 2009 لم يكن أفضل بكثير من العام 2008 بالنسبة لوضع اللاجئين الفلسطنيين والعراقيين، فما زال التمييز بحقهم موجوداً على الصعيد القانوني، الإجتماعي، الإقتصادي والسياسي. وما زالت فئة كبيرة منهم تتعرض للتهميش والظلم إذ معظمهم يعاني من قيود تجعل إمكانية الحصول على حقوقهم ضئيلة جداَ وبالأخصإمكانحصولهمعلىالعملوالرعايةالصحيةوالضمانالاجتماعيوالتعليموالسكن.

ومن مراجعة التشريعات اللبنانية، يظهر عدم وجود اي وصف قانوني او تعريف للاجئ في النصوص القانونية اللبنانية المرعية الاجراء. كما يظهر ان كلمة "لاجئ" غير مستعملة في القانون الوضعي اللبناني الا في حالتين:

-         حالة اللاجئ الفلسطيني، ويشوبها الكثير من الغموض والالتباس في النصوص الصادرة.

-         حالة اللجوء السياسي الواردة في قانون الاجانب الصادر بتاريخ 10/07/1962، والذي يحمل بشكل بارز عنوان "الدخول الى لبنان والاقامة فيه والخروج منه".ومن الملاحظ ان تسمية "لاجئ" وردت حصراً في الباب الثامن من هذا القانون، ويقتصر ورودها في معرض تناول اللجوء السياسي، وذلك بموجب المواد 26 -27- 28 – 29 -30 – 31، من ذات القانون. ومن المهم التوضيح ان ورود ما ذكرناه، اقتصر على اللجوء السياسي من دون التطرق لاي نوع آخر من انواع اللجوء، ولم تحدد النصوص المذكورة المعايير وطريقة الحصول على اللجوء وطرق المراجعة، مما يجعل اللجوء السياسي خاضعاً لمزاجية السلطة السياسية وانتقائيتها، بديلاً وبمنائ عن اي ضوابط قانونية.

علماً ان لبنان قد الزم نفسه باعطاء اللاجئين حقهم القانوني، رغم عدم توقيعه على اتفاقية عام 1951. فهو من جهة اولى قد وضع في مقدمة دستوره فقرة "ب" انه" عضو مؤسس وعامل في منظمة الامم المتحدة وملتزم مواثيقها والاعلان العالمي لحقوق الانسان. وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء". والترجمة العملية لهذه الفقرة هو التزام لبنان بكافة المواثيق الدولية بدون تجزئة او انتقائية، بما في ذلك اتفاقية اللجوء. والزم نفسه في الوقت ذاته بالاعلان العالمي لحقوق الانسان، وبالتزامه بالاعلان يكون قد التزم بتطبيق المادة 14 منه التي تتعلق بحق اللجوء. ومن جهة اخرى ابرم لبنان الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب بتاريخ 24/05/2000، التي تنص في مادتها الثالثة على عدم اخراج الاجنبي من البلاد حتى ايجاد حل دائم له من قبل المكتب الاقليمي للمفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين، وقد اخذت المحاكم اللبنانية بهذا النص في معرض الاحكام الصادرة عنها وطبقت الاتفاقية.

وما يمكن قوله بايجاز ان اللاجئين المقيمين في لبنان، معرضون في وجودهم للتوقيف والابعاد حيناً، وللتسامح وغض النظر بحسب التقلبات السياسية، وذلك بسبب غياب حماية القانون لهم، بموجب نصوص قانونية صريحة.

وسوف نستعرض فيما يلي وضع كل من اللاجئين الفلسطنيين والعراقيين في لبنان خلال عام 2009.

1-    اللاجئون الفلسطينيون:

 

تراوح عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا الى لبنان بعد نكبة فلسطين ما بين 100ألف الى 130 ألف لاجئ فلسطيني، وقد قدَرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين- الأونروا في حزيران 2009 عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في لبنان بـ 421993فلسطيني، في حين ان مجموع اللاجئين المسجلين في المخيمات بلغ 224194.  ويسكن معظم اللاجئون الفلسطنييون في المخيمات الفلسطينية الذي يبلغ عددها في لبنان 12 مخيماً.

 

ولقد أفادت منظمة العفو الدولية في تقريرها لعام 2009 أنه في19 أغسطس/آب،أُعلنأنهتممنحبطاقاتهويةرسميةمؤقتةلنحو 2500مناللاجئينالفلسطينيينالذينلايحملونبطاقاتهوية  وغيرمسجلينلدىالسلطاتاللبنانيةأو"وكالةغوثوتشغيلاللاجئينالفلسطينيين"(الأونروا(،ومنثميواجهونمزيداًمنالقيودعلىممارسةحقوقهمالإنسانيةبالمقارنةباللاجئينالفلسطينيينالمسجلين. ومنشأنبطاقاتالهويةالتيمُنحتأنتتيحلأولئكاللاجئينفرصةالحصولعلىالحقوقوالخدماتالتيكانوامحرومينمنها. ولميتقدمإلىالسلطاتبعدللحصولعلىبطاقاتالهويةعددمماثلمنالفلسطينيينالذينلايحملونبطاقاتهوية،وذلكلخشيتهممنالقبضعليهم،فيمايبدو.وفي التقرير الذي اعده مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان لعام 2009، تبين أنه خلالالأشهرالأخيرةمنعام2008وأوائلالعام2009،تعرضنحو45لاجئافلسطينيامنفاقديالأوراقالثبوتيةإلىالاحتجازبتهمةالإقامةغيرالمشروعة.

 

ومن ناحية اخرى، ظلتالمخيماتالفلسطينيةتخضعلحصارالجيشاللبناني،فيمالمتتمإعادةإعمارمخيمنهرالباردبعدنحوعامينمنتدميره،خلالالمواجهاتالتيجرتفيالفترةمنمايو-سبتمبر2007بينالجيشاللبنانيوالتنظيمالمعروفباسمفتحالإسلام.

ولمتبدأعملياتإزالةالأنقاض إلافينهاية2008،ولميتموضعحجرالأساسلإعمارالمخيم،إلافيمارس2009،ولميتمكنسوىنحو900عائلةمنالعودةإلىماتبقىمنمنازلقابلةللسكنفيالمخيم.وترجعالسلطاتاللبنانيةتباطؤإجراءاتإعادةإعمارالمخيمإلىضآلةالمبالغالمدفوعةحتىالآنمنقبلالمجموعةالدوليةللمانحين.

 

وقد أشار تقرير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن نحو  300ألفلاجئفلسطينيلايزالونيعيشونفيظروفاجتماعيةواقتصاديةصعبة،فيظلتمييزمقنن ضدهم،يحرمونبموجبهمنالحقفيالتملك،ويحولدونحقهمفيالالتحاقبالعملفينحو70مجالاللعمل.  ويعززمنالتمييزضدالفلسطينيين،مادأبتعليهخطاباتسياسيةتجدصداهاإعلاميا،تعتبرأنتمتعالفلسطينيينبحقوقيتمتعبهاغيرهممناللاجئين،سوفيقوضبشكلأوبآخرحقهمفيالعودة،ويؤديإلىاستيطانهمالدائمفيلبنان.

 

2-    اللاجئون العراقيون:

 

تقدر المنظمات الدولية عدد اللاجئين العراقيين في لبنان بنحو 50 ألفا، وهو عدد قليل نسبياً من إجمالي 2.2 مليون لاجئ عراقي في دول الشرق الأوسط. لكنه يمكن القول أن لبنان هو الدولة «الاقل ضيافة» لهؤلاء بسبب تعقيداته الخاصة التي تمنعه حتى الان من «تقدير» اللاجئين السياسيين واستقبالهم.

وتعتبر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين كل العراقيين الذين فروا من جنوب العراق ووسطه طلباً للجوء في لبنان، أو في أي مكان آخر في منطقة الشرق الأوسط «لاجئين»، إلا أن لبنان ليس طرفا في اتفاقية عام 1951 للاجئين، ولا يعتبر اعتراف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين باللاجئين العراقيين نافذاً تبعاً للقانون اللبناني. وتعامل السلطات اللبنانية كل العراقيين الذين يدخلون أو يقيمون في لبنان بشكل غير قانوني «مهاجرين غير شرعيين»، بغض النظر عن نيتهم في السعي للجوء. ولهذا يتعرض اللاجئون العراقيون للاعتقال والغرامات والاحتجاز من قبل السلطات اللبنانية.

وفي لبنان حالياً 580 لاجئاً عراقياً في السجن، منهم نحو 422 شخصاً أنهوا فترة العقوبة ولكن ظلّوا في السجن. إذكونهم في البلاد بشكل غير قانوني، يرفض الأمن العام اللبناني إطلاق سراحهم. ويمكن لغالبيتهم الخروج من الاحتجاز فقط بالموافقة على العودة إلى العراق.

وكان قد صدر في 14 شباط 2008 إتفاقاً بين المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والأمن العام اللبناني يعطى اللاجئون العراقيون في لبنان، ولمرة واحدة فقط، فترة سماح لمدة ثلاثة أشهر لتسوية أوضاعهم أو مغادرة لبنان. كان الهدف المنشود من هذا الاتفاق حماية المئات من اللاجئين العراقيين المحتجزين حالياً، لفترات متمادية وغير محددة، بتهمة الدخول “غير الشرعي” إلى لبنان. لكن هذا الاتفاق لم يتعدى كونه نوعا من المجاملات غير المجدية. إذ انه لم يأت بأي أحكام جديدة أو يعترف بحق اللاجئ بعدم الترحيل أو بالحماية من التوقيف و الاحتجاز. فالجديد الوحيد في هذا الاتفاق هو إطلاق سراح “مشروط” للاجئين مقابل التزام المفوضية بدفع مبلغ 950000 ل.ل. (حوالي 630 دولار أميركي ) عن كل لاجئ للأمن العام تمثل غرامة الدخول غير الشرعي.

إلا انه عام 2009 إتخذت الحكومة اللبنانية خطواتبإصدارتصاريحعملوتصاريحإقامةلنحو50ألف عراقيممنسوفيُعتبرونلاجئين،وكانوامنقبليُعتبرونمنالمقيمينبصفةغيرقانونيةويتعرضونللسجنوالترحيل.علماً أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين أشارت إلى أن 124،10 عراقياً ً مسجلاً لديها حتى تاريخ 30أيلول 2009.

بالإضافة إلى ذلك يحرم اللاجئون العراقيون من أبسط الحقوق الأساسية التي كرسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كالحق في المسكن والرعاية الصحية والعمل والتعليم. ويتعرضون لأسوأ المعاملات لا سيما من أصحاب العمل الذين يعملون لديهم. كما يعيشون في أحياء فقيرة لا تتوفر فيها أدنى شروط الصحة والمسكن اللائق.

-       الإعدام:

 

إن التشريع اللبناني يعاقب بالإعدام الشخص اللبناني الذي يرتكب جرماً على أمنالدولة الخارجي كحمل السلاح في صفوف العدو ضد لبنان (المادة /273/ عقوبات)، أو دسّالدسائس لدى دولة أجنبية لتعتدي على لبنان ونجاحه في ذلك (المادة /274/ عقوبات) أو دسّالدسائس لدى العدو ومعاونته لتفوز قواته (المادة /275/ عقوبات)، أو الإقدام على الأضراربالمنشآت المدنية والعسكرية بقصد شل الدفاع الوطني في زمن الحرب (المادة /276/ عقوبات). كما يعاقب التشريع اللبناني بالإعدام من ارتكب الاعتداء أو محاولة الاعتداءالتي تستهدف إثارة الحرب الأهلية (المادة /2/ من قانون 11/1/58) ، أو من رئيسعصابة مسلّحة بقصد اجتياح مدينة أو أملاك الدولة أو ضد القوة العامة العاملة ضدمرتكبي هذه الجنايات (المادة /3/ من القانون 11/1/58)
كما يعاقب القانوناللبناني بالإعدام جرائم القتل قصداً إذا ارتكبت عمداً أو تمهيداً لجناية أو جنحةأو تنفيذاً لها أو تسهيلاً لفرار المحرّضين أو الفاعلين أو المتدخلين أو لوقوعهاعلى أحد الأصول أو الفروع، أو لاقترانها بأعمال التعذيب والشراسة أو لحصولها علىالموظف، أو بسبب الانتماء الطائفي أو ثأراً لجناية ارتكبها غير المجنى عليه منطائفته أو من أقربائه أو محازبيه، أو باستعمال المواد المتفجرة، أو بقصد التهرب منجناية أو جنحة أو لإخفاء معالمها (المادة /549/ عقوبات).


كما يعاقب القانوناللبناني (قانون العقوبات العسكرية) بالإعدام جرم الفرار إلى العدو (المادة /110/عقوبات) أو استسلام القائد العسكري للعدو (المادة /121/ عقوبات) ، أو التحريض على الفرارإلى العدو أو على وقف القتال ضده أو الاستسلام له أو إقامة علاقات معه (المادة/124/ عقوبات) أو الخيانة العسكرية (المادة /130/ عقوبات) أو السلب زمن الحرب مع إيقاعأعمال عنف بالمجنى عليه تسهيلاً لعملية السلب ( المادة/132/ عقوبات) أو ترك قائدالسفينة الحربية السفينة وهي تشرف على الغرق (المادة /168/ عقوبات) أو استسلام القوةالبحرية للعدو (المادة /171/ عقوبات).


كما عاقب القانون اللبناني خارج إطار الظروفالمشددة بالإعدام أو حتى دون توفر نية القتل ولو قصداً كإعدام من يتسبب بموت إنسانوهو يرتكب جرماً آخر (المادة /640/ عقوبات) حصول موت إنسان من الرعب بسبب جرم آخر(المادة /642/ عقوبات)، حصول الفعل على سفينة أو على طائرة (المادة /643/ عقوبات.)
كماعاقب بالإعدام جرائم القتل قصداً ودون أي ظرف مشدّد كما حصل بموجب قانون
6/4/1959 وقد الغي في 18/5/1965 وبموجب القانون رقم /302/ تاريخ 21/3/1994 وقدتمّ إلغاؤه في 2 آب 2001.

وفي تقريرها لعام 2009 أشارت منظمة العفو الدولية إلى أنه بلغعددالسجناءالمحكومعليهمبالإعدام في لبنان  40سجيناًعلىالأقل،ولمتصدرأيةأحكامجديدةبالإعدام،ولمتُنفذأيةإعدامات.وفيأكتوبر/تشرينالأول،أعلنوزيرالعدلأنهقدمإلىمجلسالوزراءمشروعقانونلإلغاءعقوبةالإعدام.لكنه لم يقر حتى تاريخ كتابة هذا التقرير.

وفيديسمبر/كانونالأول 2009،امتنعلبنانعنالتصويتعلىقرارالجمعيةالعامةللأممالمتحدةالداعيإلىوقفتنفيذأحكامالإعدامعلىمستوىالعالم.

كما دعت منظمة هيومن رايتس ووتش السعودية الى الغاء حكم الاعدام الصادر بحق اللبناني علي سباط من قبل محكمة سعودية في المدينة يوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2009 بعد ان ادانته بتهمة ممارسة السحر.

 

-       الإعلام والصحافة وحرية التعبير:

يعرف لبنان بتكريسه لحرية التعبير والإعلام والصحافة ويتميز بذلك عن سائر البلدان العربية، ولطاما تمتع ببيئة اعلامية متنوعة ومنفتحة للغاية، اعتبرت دائماً منارة التعددية في المنطقة،  فهو قد نص في مقدمة دستوره على أن لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، كما نصت المادة 13 على أن حرية إبداء الرأي قولاً وكتابة وحرية الطباعة وحرية الاجتماع وحرية تأليف الجمعيات كلها مكفولة ضمن دائرة القانون. إلا أنه يوجد بعض الثغرات في القانون اللبناني كتقييد حرية إصدار المطبوعات من خلال المرسوم رقم 74 - الصادر في 13/4/1953 الذي حددعدد المطبوعات الدورية السياسية التي يمكن ان تصدر على الأراضي اللبنانية بخمسوعشرين مطبوعة يومية سياسية وعشرين مطبوعة سياسية موقوتة، الأمر الذي يشكل صعوباتكبيرة أمام إطلاق صحف سياسية جديدة، كما وجودالرقابة على الصحافة الأجنبية وعقوبة السجن في قضايا المطبوعات.  وتظهر الثغرات أيضاً في عدم وجود قانون يكفل حرية الوصول الى المعلومات.بالإضافة إلى موضوع آلية تعيين المجلس الوطني للإعلام وصلاحياته التي تهمش دوره وتفقده معناه.

وظل الصحفيون وبعض الوسائط الإعلامية هدفاً للضغوط في الفترة التي يغطيها هذا التقرير، جراء الإستقطاب السياسي والطائفي أو نتيجة لدعاوى قضائية مما أظهر حالة من عدم التسامح مع حريات التعبير وأكد في الكثير من المرات إلى خلل كبير في الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام اللبنانية لا سيما أن معظمها تابعة لطائفة دينية أو حزب سياسي مما يؤثر على إستقلاليتها وعلى الرسالة التي يجب أن تؤديها.

فقد أشار مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان إلى ان طاقم تلفزيون المنار التابع لحزب الله تعرض للإعتداء في إحدى المناطق التي يسود فيها نفوذ "تيار المستقبل"، وذلك في إطار أحداث شغب رافقت مباراة كرة قدم في 26 أبريل 2009.

كما تلقى شارل أيوب رئيستحريرجريدةالديارتهديداتبالقتل،مالميتوقفعننشرمقالاتانتقاديةللعمادميشيلعون،وقداقترنتهذهالتهديداتبقيامالسلطاتالسورية بحظرتوزيعالجريدةداخلسوريا.

وبالمقابل شنت جريدة الديار في 15 أيار 2009 هجوماً عنيفاً على شربل خليل تكيل له السباب والشتائم.

 

وتعرضتالصحفيةلوسيبرسخيانمراسلةصحيفتي "البلد"و"الشرق"في18مايولاعتداءاتلفظية،وجرتمحاولةلتحطيمسيارتهامنقبلبعضالمتجمهرينفيبلدة سعدنايل بمنطقةالبقاع،وذلكأثناءقيامهابعملهاالصحفي.

كماتعرضالصحفيعقابصقرالمرشحللانتخاباتالنيابيةفيدائرةزحلةلاعتداءمعنويتمثلفياتهامهبالعمالةلإسرائيل،وتهديدهبالقتلمنقبلنائبالدائرةحسنيعقوب،إضافةإلىمحاولةالاعتداءالجسديعليه،علىإثرمناظرةتلفزيونيةبينهما،وقدتدخلتقوةمنالأمنالداخليلإنقاذالموقف .

 

وقد أشار مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أنه خلالاليومالانتخابي،سجلالمراقبونعددامنالاعتداءاتعلىالحرياتالصحفيةوالإعلامية، شملتالاعتداءعلىفريق"المؤسسةاللبنانيةللإرسالLBC" فيإحدىالمناطقالخاضعةلنفوذحركة املوحزباللهببيروت،وقدتدخلتعناصرمنالجيشاللبنانيلتأمينخروجالفريقالإعلامي،تحتحمايةأمنية.  وبالتزامنمعذلكوقعإطلاقللنارفيمحيطمبنى"أخبارالمستقبل" فيمحلةالقنطاريببيروت،قبلأنتتدخلعناصرمنالجيشاللبنانيلتوقيفأحدمطلقيالنار،وفرضطوقأمنيحولمبنىالمحطة.وفيأعقابالانتخاباتتعرضتسيارةسناءالجاكالصحفيةبجريدة الشرق الأوسط اللندنية،لاعتداءأماممنزلهافيبيروتفيالتاسعمنيونيو2009.

 

ويجب الإشارة أيضاً إلى أنه تم الغاء وظائف عدد من الصحفيين في بعض المؤسسات الإعلامية اللبنانية مؤخرا، وعلى وجه الخصوص فصل أكثر من 50 صحفي من إحدى الصحف اليومية وثلاثة من أبرز مذيعي قناة (ال بي سي). خلق هذا الحدث الكثير من التساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا الفصل  

 

وعلىصعيدالمحاكمات،فقدقضتمحكمةالمطبوعاتفييوليوببراءةيوسفالحويكمديرجريدة الديارفيدعوىسبّوقذفكانقدقامبتحريكهاسعدالحريري،وذلكقبلأنيقدمتنازلاعنحقهالشخصيفيالدعوى.

كماقضتالمحكمةغيابيابعقوبةالحبسلمدةعامبحقفارسالخشانالصحفيبجريدة المستقبل بعد إدانته بسب وقذف أحد القضاة خلال حوار تلفزيوني أنتقد فيه الخشانملاحقتهوغيرهمنالصحفيينأمامالقضاء.

وتتواصلمحاكمةتحسينالخياطرئيسمجلسإدارةتليفزيونالجديد  New TVومديرةالبرامجالسياسيةمريمالبسام،وغادةعيدمقدمةبرنامجالفسادوذلكمنخلالثلاثدعاوىقضائيةمرفوعةمنقضاة،بزعمأنبعضحلقاتالبرنامجتضمنتسباوقذفابحقهم.

وفيإطارالضغوطعلىحريةالإبداع،عطلالأمنالعامعرضفيلمأنقذونا Helpللمخرجماركأبي راشد في16فبراير،رغمسبقإجازتهللعرضمنقبلأجهزةالرقابة.وذلكبناءعلىضغوطمن"المركزالكاثوليكيللإعلام"،نظرالاحتواءالفيلمعلىمشاهداعتبرهاجنسيةتخدشالحياءالعام. وبحسبمخرجالفيلم،فإنحذفهذهالمشاهدالتيجاءتفيسياقمتكاملتقتضيحذف28دقيقةمنالفيلم،وإلغاءشخصيةأساسيةفيالعمل

الروائي.

وبالرغم من هذه الإنتهكات لحرية التعبير والإعلام والصحافة طرأتطورا إيجابيافيأبريل2009،تمثلفياستئنافقناةMTV  بثهاالإعلاميبعدتوقفهاعنالبثنحوسبعسنوات،استناداإلىقراركانقدصدربحقهافيعام2002،منجانبالسلطاتالخاضعةآنذاكلسوريا،  بعداتهامالقناةالمعارضةللوصايةالسوريةعلىلبنان،ببثأخباروموادمن شأنهاأنتسيئإلىالعلاقاتمعسوريا وإلىرئيسالدولةالسابقإميللحود،الذيكانقدتمتمديدولايتهبطريقةغيردستورية. ويذكرأنالسلطاتاللبنانيةكانتقدأعلنترسميافي  2005إنهاءالحظرالمفروض علىقناة الـ MTV.

 

وتجدر الإشارة إلى ان منظمة العفو الدولية أشارت في تقريرها عن لبنان لعام 2009 انه قتل سبعة متظاهرين على أيدي جنود من الجيش اللبناني وأشخاص مجهولين يوم 27 يناير/كانون الثاني، وذلك خلال مظاهرات للإحتجاج على إنقطاع التيار الكهربائي في الضواحي الجنوبية في بيروت والتي تقطنها أغلبية شيعية. ووجهت تهمة "القتل غير المعتمد" إلى 11 جندياً واثنين من ضباط الجيش. وكان هؤلاء ضمن ما يزيد عن 70 شخصاً وجه لهم الإتهام فيما يتصل بتلك الأحداث.

 

رابعاً: المؤشرات الإقتصادية

 

-       لبنان وتأثير الأزمة الاقتصادية العالمية في 2009

رغم الأزمات الاقتصادية التي ألمت في العالم في 2009 ظل لبنان بعيدا عن الأزمات الاقتصادية و  لم يتأثر  بها ما عدا حركة أسعارالنفط و الذهب.

 واستفاد لبنان في عام 2009 من حركة الرساميل والهبات الآتية من الدول التي طالتها الأزمة، لكنالأزمة طالت لبنان من خلال حركة  تحويل الأموال من لبنانيي الاغتراب  إلىذويهم الذين عادوا الى لبنان  بعد  فصلهم من  أعمالهم  في الخارج و خاصةالشباب الذين أتوا الى  لبنان  قادمين  من  دولة الإمارات العربية المتحدةو خاصة إمارة دبي.

حاكم  مصرف لبنان رياض سلامة كان قد  أعلن  فيبداية العام  2009 في مؤتمر  صحافي  أن "عام 2009 الحالي سيكون عام تعزيزالليرة اللبنانية وذلك عن طريق تنشيط التسليفات بالعملة الوطنية، أن كلمشروع جديد سيكون مدعوماً من خلال الفوائد"، مشيراً إلى أنه "قد تم التوصلإلى هذا الأمر من خلال الاتفاق بين مصرف لبنان وجمعية المصارف والحكومةاللبنانية".  

وأردف سلامة في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام  نفسه  بالقول إن "اقتصاد لبنان سينمو بنسبة سبعة بالمائة هذا العام وبنسبةستة بالمائة أو أكثر في العام المقبل في حين من المتوقع أن يصل التضخم إلىنحو ثلاثة بالمائة في كل من 2009 و 2010 وقال سلامة على هامش مؤتمر ماليفي الكويت إن نمو الناتج المحلي الإجمالي قد يصل إلى ستة بالمائة أو أكثرإذا ظلت الأمور طبيعية".

أما وزيرة المال الجديدة ريا الحسناختتمت العام 2009  بالقول إن "نسبة المخاطر بالنسبة للاقتصاد اللبنانيتتراجع واقتصادنا سيكبر ويتحسن والليرة بخير، والاستقرار النقدي جيد"،مضيفة "أمامنا اليوم فرصة ذهبية في ظل وضع اقتصادي متين و نلمس تداعياته"،داعية " الى استغلال هذه الفرصة الذهبية لتحقيق إمكانات لبنان لنستفيدمنها بطريقة أفضل بحيث تنعكس تبعاتها إيجابا على جميع اللبنانيين". 

وهذاما ذكره الخبير الاقتصادي اللبناني عدنان الحاج حيث قال "بالنسبة للعام 2009 كان أفضل من العام 2008 حيث  كان  تأثير الأزمة المالية على لبنان بشكل محدود من الناحية المالية والاقتصادية خاصة أن القطاع المالي و المصرفي  استطاع أن يحافظ على  نمو  ودائعه حيث دخل إلى لبنان خلال السنتين  الأخيرتين حوالي 30 مليار دولارو هذا أمر ممتاز مقارنة مع دول المنطقة".

على صعيد الحياةالمعيشية تأثر لبنان بشكل ملحوظ، و شهد ارتفاعا باهظا في أسعار الموادالأولية و خاصة مشتقات الألبان و الأجبان و ذلك  بسبب ارتفاع أسعار النفطحيث بات يوم الأربعاء يوما مشؤوما لمعظم اللبنانيين لأنه هو اليوم التيطالما أعلنت فيه الحكومة اللبنانية رفع سعر صفيحتي البنزين والمازوت وقارورة الغاز.
كما وبلغ ارتفاع اسعار الخضار اعلى مستوياته على أبواب أوائل  شهر رمضان المبارك.
وحيثعزى مدير مديرية حماية المستهلك في وزارة الإقتصاد فؤاد فليفل "ذلك  يعود  لارتفاع الطلب و قلة العروض و انها  أزمة وتنتهي  مع عودة الطلب في السوق الى مستوياته".  

ويضيف عدنان الحاج في هذاالمجال قائلا :" الازمة المعيشية كانت الأكثر تأثرا  بالأزمةالعالمية من القطاع المالي  باعتبار ان هناك  اشخاص تأثرت  اموالهم واعمالهم في دول الخليج بالتالي قد تأثرت التحويلات من الخارج الى لبنان  بنسبة 5 الى  6 بالمائة مقارنة  مع العام 2008 و  لكن هذه التحويلات  حافظت على مستوياتها السابقة و كان تأثرها محصورا  بإمارة دبي و بعضمناطق الخليج  المعروف تأثرها بالأزمة".
 
من الناحيةالاقتصادية  يفسر عدنان  الحاج ارتفاع اسعار السلع في لبنان عام 2009  بالقول"بالنسبة للاقتصاد الداخلي كانت اسعار السلع و المواد نتيجة  تغيّراسعار  المحروقات و  رغم  التحسن البسيط  الا  ان  التضخم  بقي  بنسبة 4و هي  نسبة  مقبولة  مقابل  نمو اقتصادي  بنسبة 7  بالمائة  و هو  امرجيد و  لكن  الناس  لم  تشعر  بالنمو  الاقتصادي  لان الاموال و التدفقات  التي تأتي لا توظف خلق فرص عمل". 

و يضيف الحاج "ما  تأثر لديناهو عدد  الصادرات الى الخارج فكان من المفترض  ان تزيد  نسبة  20 % ولكنها  تراجعت  نسبة 7% و ذلك  مرده الى ازمة السيولة العالمية  و  الركودالاقتصادي  , كما  ان  الدول  باتت  تبيع سلعها  بالرخص في جو منافس  وبالتالي  لم  يكن لبنان  قادرا على المنافسة  بسبب ارتفاع كلفة الانتاج".

وفيما  يطلب من حكومة الوحدة الوطنية الجديدة  تابع الحاج :" اعتبارا من ال2010على الحكومة ان  تجد  فرص عمل و اسواق  جديدة   للمنتجات اللبنانية  في الخارج  بداية بالاتفاق  المنطقة الحرة التجارية  و تحسين  العلاقات معسوريا انطلاقاً من المنطقة  الحرة  السورية – التركية ، و نذكر هنا اغراقالاسواق بالمنتجات التركية القادرة على المنافسة  وارتفاع الوارداتالتركية  من  280 مليون دولار 2007 /2008  الى 699 مليون دولار في العام  2009و هذا  مؤشر الى تراجع الصادرات مقابل الواردات". 


وفي تحليل مبدأي فيما يتعلق بالعام 2010،إذ ممكن  ان يكون  افضل  بكثير  بتوفر الإستقرار االسياسي و الأمني   الداخلي  مما يتيح  باستثمار  الرسالميل والتحويلات الوافدة و التي تخطت  18 مليار  دولار في   قطاعات اقتصاديةحقيقية  مع تسهيلات ضريبية و تسهيلات في الادارات  و تفعيل القضاء  وتحريك القطاعات الاستثمارية  من خلال القروض الميسرة  وفقا للتعميم الذياطلقه  مصرف  لبنان  و  هذا يحرك  العجلة الاقتصادية و يخلق فرص  عمل تعوضعما خسره  لبنان  نتيجة  الازمة العالمية في  اسواق دبي و أسواق الخليج  بشكل  عام.

 

-       انخفاض الأجور مقابل ارتفاع معدلات التضخم

إن الحد الأدنى للأجور في لبنان لا يتجاوز 230 دولارا أميركيا شهريا. وكانت الحكومة السابقة قد أقرت زيادة على الحد الأدنى في القطاع العام ليرتفع إلى 360، لكن الزيادة لم تقر حتى الآن لحاجتها إلى تصديق البرلمان اللبناني. 

واعتبر الاتحاد العمالي العام هذه الزيادة غير كافية ويطالب بتصحيح الأجور لتلائم ارتفاع معدلات التضخم. ويقول إن الحد الأدنى ينبغي ألا يقل عن 640 دولارا شهريا حيث تحتاج العائلة يوميا نحو 20 دولارا لسد الاحتياجات الأساسية.

سجل التضخم في لبنان 7.5% في الشهور الثمانية الأولى من العام 2009مترافقا مع زيادة أسعار المواد الغذائية بنسبة 12.6% والنقل16.2%.

وأفاد تقرير صادر عن الإحصاء المركزي الرسمي أن أسعار الأحذية والألبسة كانت في المرتبة الأولى من حيث الارتفاع وبنسبة 5% في حين زادت الإيجارات 4.85% والمواد الغذائية بنسبة2.4

وأما أسعار النقل فقد تراجعت بنسبة 3.2% في أغسطس/آب الماضي بعد ارتفاعها منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية الشهر الماضي بنسبة 16.2

وكان مصرف لبنان المركزي توقع في مايو/أيار الماضي بقاء معدل التضخم السنوي في البلاد أكثر من 10% هذا العام، وعدم عزمه رفع أسعار الفائدة.

-       أزمة السكن في لبنان

مشكلة السكن في لبنان مزمنة، ومن أسبابها: النزوح الكثيف من الريف الى المدن، وارتفاع متوسط عدد أفراد العائلة، والحرب اللبنانية التي أدت الى التدمير والتخريب الهائلين وإلى الهجرات الداخلية والخارجية وغيرها. وقدرت حاجة لبنان للشقق السكنية في أواسط التسعينات من القرن الماضي في حدود 240 ألف وحدة سكنية. وحالياً تقدر الحاجات السنوية للعائلات الجديدة في حدود 25 ألف وحدة سكنية.

وللمساهمة في حل مشكلة السكن باشر مصرف الإسكان عمله في عام 1979، وتملك الدولة 20 في المئة من أسهمه و35 مصرفاً القسم الباقي من الأسهم. ويقدم المصرف قروضه لبناء مسكن أو شرائه أو ترميمه وتوسيعه وتحسينه. ويستفيد المقيمون من قروضه بحصولهم على 80 في المئة من قيمة المسكن، والمغتربون بحصولهم على 50 في المئة من هذه القيمة. وعلى راتب طالب القرض أن يتراوح بين 1.5 و11.564 مليون ليرة، وتتراوح قيمة القروض بين 68 و450 مليون ليرة. ويبلغ سعر الفائدة 6 في المئة إذا كانت قيمة المسكن اقل من 180 مليون ليرة، وترتفع الى 8 المئة في الحالات الأخرى. ويسدد القرض عبر أقساط شهرية تتوزع على فترة 20 سنة بحيث لا يتعدى القسط الواحد ثلث الراتب، مع إلزامية التأمين على الحياة والسكن. وضمن شروط معينة يتحمل المصرف كلفة ومهمات التسجيل والرهن وفك الرهن.

وفي فترة 1979 – 2008 منح مصرف الإسكان 8693 قرضاً بلغت قيمتها 482.4 بليون ليرة. وفي فترة 2007 – 2008 منح المصرف 1317 قرضاً أي ما يوازي 15.2 في المئة من المجموع بلغت قيمتها 201 بليون ليرة أي ما يوازي 41.7 في المئة من مجموع قيمة القروض. وهذه النسب المرتفعة تعود الى ازدياد الطلب على المساكن من المغتربين أو من ذويهم من المقيمين وغيرهم من اللبنانيين، ولارتفاع أسعار العقارات، وزيادة الحد الأقصى للقرض. وباشرت المؤسسة العامة للإسكان عملها في عام 1999، وهي تقدم قروضها للذين لا يتجاوز مدخولهم الشهري 10 أضعاف الحد الأدنى للأجور. وتتعاون المؤسسة مع 27 مصرفاً لبنانياً لمنح القروض، ورفعت الحد الأقصى لقيمة المسكن من 70 ألف دولار الى 120 ألفاً، ومدة القرض من 20 الى 30 سنة، كما حدد سعر الفائدة بنحو 6.85 في المئة، على أن تسدد قيمة الشقة السكنية بتوزيعها على أقساط شهرية تساوي ثلث الراتب

وفي المرحلة الأولى من تسديد القرض التي قد تتراوح بين 10 و15 سنة يدفع المقترض للمصرف المعني قيمة القرض، بينما تدفع المؤسسة له قيمة الفوائد. وفي المرحلة الثانية يسدد المقترض عبر أقساط شهرية قيمة الفوائد الى المؤسسة على أساس سعر فائدة أدنى بنسبة 3 في المئة من الفائدة المصرفية، وهو حالياً يساوي 3.7 في المئة. وتوازي قيمة القرض بين 80 و30 في المئة من قيمة المسكن، ويعفى المقترض من رسوم التسجيل والتأمين وغير ذلك

وفي فترة 1999 – 2008 منحت المؤسسة 32 ألف قرض بلغت قيمتها الإجمالية 2000 بليون ليرة. وفي فترة 2007 – 2008 منحت 12 ألف قرض أي 37.5 في المئة من مجموع القروض، وبلغت قيمتها 980 بليون ليرة أي 49 في المئة من قيمة القروض الإجمالية. وتعود هذه النسب المرتفعة الى ارتفاع أسعار العقارات والحد الأقصى للقرض وملاءمة شروط الإقراض لديها لذوي الدخل المحدود بدرجة أكبر من شروط مصرف الإسكان. وقد يتلقى المقترضون دعماً مالياً من ذويهم المغتربين. والمؤسسة ذات استقلال إداري ومالي ولا تتعدى أرباحها 1.5 في المئة من قيمة القروض. وتتنافس المصارف اللبنانية للاستفادة من منح القروض السكنية عبر برنامج لا يختلف كثيراً من بنك الى آخر.

إن دراسة وتحليل قضية السكن في لبنان تقود الى الاستنتاجات التالية:

أولاً: يفتقر لبنان الى سياسة إسكانية شاملة ومتكاملة تنطلق من ظروفه الاجتماعية والاقتصادية، وتؤمن الموارد المالية الكافية والضرورية لحل مشكلة السكن من مصادر داخلية وخارجية. أما الخطط التي وضعت حتى الآن للمعالجة فهي جزئية ومرحلية وغير ملائمة ولا تفي بالغرض المنشود.

ثانياً: على رغم توافر إدارات ذات كفاءة عالية وفاعلة في مصرف الإسكان والمؤسسة العامة للإسكان والمصارف اللبنانية ومن قيامها بدور مهم في حل مشكلة السكن، إلا أن إنجازاتها محدودة وجزئية. فالمؤسسة العامة للإسكان تؤمن حالياً 25 في المئة من حاجات لبنان السكنية المستجدة سنوياً. ومصرف الإسكان يلبي بين 20 و25 في المئة من مجموع القروض الممنوحة. وتؤمن المصارف جزءاً آخر من القروض بصورة منفردة. والمطورون العقاريون يبنون شققاً متوسطة لوجود طلب عليها، أما الشقق الصغيرة فهي نادرة.

ثالثاً: المؤسسات المذكورة ترفض كثيراً من طلبات القروض لعدم وجود سندات ملكية بحوزة المقترضين لأن 40 في المئة تقريباً من الأراضي اللبنانية، خصوصاً في المناطق البعيدة، لم تخضع حتى الآن للمسح والفرز. وهذه المهمة تقع على عاتق الدولة التي يجب أن تقوم بإنجازها قريباً.

رابعاً: تعتبر المصارف اللبنانية الممول الأساسي لمعظم القروض السكنية، وقد سمح لها المصرف المركزي باستخدام جزء من الاحتياطي الإلزامي المفروض على ودائعها إضافة الى أموالها الخاصة لمنح القروض. وهي تحقق أرباحاً كبيرة جراء ذلك، خصوصاً أن أسعار الفوائد ليست متدنية. فعلى سبيل المثال ان قيمة الفوائد الإجمالية التي يدفعها المقترض الى المؤسسة العامة للإسكان لقرض بقيمة 100 مليون ليرة ولمدة 30 سنة تصل الى 71 مليون ليرة أي 71 في المئة من قيمة القرض، وهذه الكلفة تعتبر عالية لذوي الأجور والمداخيل المتدنية. والوضع نفسه ينطبق على مصرف الإسكان والمؤسسات المصرفية الأخرى

خامساً: إن شروط الاقتراض الأخرى هي أيضاً ثقيلة على ذوي الأجور والمداخيل المتدنية. فالاقتراض لمدة 20 سنة للحصول على شقة سكنية متوسطة تبلغ مساحتها 150 متراً مربعاً وقيمتها تساوي 150 ألف دولار حالياً يفرض على المقترض أن يؤمن 30 الف دولار من قيمتها في حالة مصرف الإسكان، وأن يصل راتبه الشهري الى 3.949 مليون ليرة. وإذا كانت مساحة الشقة 120 متراً مربعاً فإن راتب المقترض الشهري يجب أن يصل الى 3.161 مليون ليرة. وعليه أيضاً أن يدفع مبلغاً يساوي 24 ألف دولار من قيمة المسكن

سادساً: والمشكلة الأساسية التي تفاقم قضية السكن وغيرها تتمثل بتدني مستوى أجور أكثرية اللبنانيين المقيمين. فقبل زيادة 200 ألف ليرة على الحد الأدنى للأجور كان 60 في المئة من الأسر اللبنانية يتقاضى أقل من 800 دولار شهرياً. والطبقة الدنيا شكلت 62 في المئة من مجموع اللبنانيين، والأسر اللبنانية التي تعيش تحت خط الفقر بلغت نسبتها 28.5 في المئة. أما المعدل الوسطي للأجور فقد كان في حدود 663 دولاراً. وهذا كله يجعل قدرة غالبية اللبنانيين على الاقتراض ضعيفة جداً وغير ممكنة إذا لم يكن للعائلات أقارب من بين المغتربين يساعدونهم. أو يوجد لديهم عقارات يبيعونها، علماً ان 47 في المئة من اللبنانيين يتلقون رواتب وأجوراً. إضافة الى ارتفاع تكاليف المعيشةسابعاً: يساهم المغتربون اللبنانيين بصورة مهمة في حل مشكلة السكن بفضل تحويلاتهم المالية الى لبنان التي وصلت في عام 2008 الى 6 بلايين دولار. فهم يعززون سيولة المصارف ويحركون نشاط السوق العقارية وغيره من القطاعات الاقتصادية. وقد بلغت حصتهم من الصفقات العقارية في العام الماضي 40 في المئة من المجموع. بينما حصة العرب الخليجيين بلغت 15 في المئة. وتجني الدولة جراء ذلك مداخيل كبيرة بواسطة الرسوم والضرائب وكذلك المصارف التي بلغت قيمة تسليفاتها للمقاولين والبناء في عام 2008 نحو 3.8 بلايين دولار

ثامناً: وسوف يفاقم مشكلة السكن استمرار ارتفاع أسعار الأراضي والشقق السكنية. وهذا الاتجاه يبدو حتمياً ويعتبر كتصحيح للأسعار التي كانت جامدة أثناء الوجود السوري في لبنان. فأسعار الشقق السكنية والأراضي بلغت في بلدان مجاورة للبنان أضعاف ما هي عليه في لبنان. الى ذلك فإن لبنان اصبح ملاذاً آمناً للاستثمارات العربية الخليجية بعد انعكاس الأزمة المالية العالمية السلبي على اقتصادات بلدان الخليج والقطاع العقاري فيها. ويجب الأخذ في الاعتبار ندرة الأراضي الصالحة للبناء في لبنان والازدياد المستمر في الطلب مع قلة العرض. فالشقق السكنية المعروضة للبيع تبلغ 16 ألف شقة، بينما حجم الطلب يصل الى 25 ألف شقة سكنية تقريباً

تاسعاً: وبينما يحاول مصرف الإسكان تطوير سياسته الاقتراضية لمصلحة ذوي الدخل المحدود والمتوسط، الا انه يبقى مؤسسة خاصة تملك المصارف 80 في المئة من أسهمها، وبالتالي تحدد سياسة للمصرف تتلاءم مع مصالحها من جهة ومصلحة المجتمع من جهة أخرى. ويظل مشروع الإيجار التملكي من أهم المشاريع لحل أزمة السكن. وهو يقوم على مساهمة المؤسسة العامة للإسكان والمصارف والمستثمرين العقاريين ببناء 12 ألف وحدة سكنية سنوياً (نصف حاجة لبنان الى مساكن جديدة)، على أن تكون مساحة الشقة السكنية بين 80 و 120 مربعاً، وان تؤجر لقاء 150 دولاراً شهرياً، وأن تصبح ملكاً للمستأجر بعد 40 سنة. وتعاد قيمة الإيجارات الى المستأجر إذا أراد التخلي عن المسكن، ويمكن توسيع المشروع ليشمل الشقق المتوسطة ايضاً

عاشراً: للمساهمة في حل مشكلة السكن يجب العمل على تنمية كل المناطق اللبنانية ما يساعد على عودة اللبنانيين الى قراهم وبلداتهم ومناطقهم، ويخفف الضغط السكاني على العاصمة بيروت ومحيطها وبقية المدن الكبرى.

-       الإيجارات السكنية

لم يتطرق القانون الرقم 63 المتعلق بزيادة الحد الأدنى للأجور إلى زيادة الإيجارات السكنية «بسبب خطأ في الصياغة القانونية» وفق لجنة الإدارة والعدل، لكن ذلك يؤدي قانوناً إلى عدم زيادة الإيجارات السكنية حتى تصحيح الخطأ.

خلقت المادة الأولى من قانون رفع الحد الأدنى للأجور وزيادة غلاء المعيشة الرقم 63 الذي صدر في الجريدة الرسمية في 8 كانون الثاني 2009، والمبهم إلى حد بعيد، الكثير من الالتباسات القانونية.

فوفق المادة الـ6 من قانون الإيجارات الرقم 92/160 «ترتبط وتزاد تباعاً بدلات الإيجار بنسبة تعادل نصف نسبة الزيادة الطارئة في كل مرة على الجزﺀ الأول من الراتب المحددة في المراسيم المتعلقة بزيادة غلاﺀ المعيشة وتحديد أجور المستخدمين اعتباراً مــن تاريخ العمل بكل زيــادة»، ما يعني أن بدلات الإيجار ترتفع بنسبة توازي نصف الزيادة التي تطرأ على الشطر الأول من الراتب. 

إلا أن المرسوم الرقم 500 الصادر في 14 تشرين الأول 2008 المتعلق بتعيين الحد الأدنى للأجور وزيادة غلاﺀ المعيشة، لم يحدد نسبة الزيادة على الشطر الأول من الأجور، خلافاً لجميع مراسيم زيادة غلاء المعيشة الصادرة سابقاً، لا بل أضاف على أساس الأجر زيادة على غلاء معيشة بمبلغ مقطوع قدره 200 ألف ليرة، وبالتالي غاب الانسجام القانوني الذي كان سائداً بين زيادة غلاء المعيشة وزيادة الإيجارات. وفي مطلع العام الحالي صدر القانون 63، ليخلق في مادته الأولى مخرجاً قانونياً يتيح زيادة الإيجارات، فكان أن صدر القانون من دون الإشارة إلى الإيجار السكني!

فالثغرة التي أصبحت تحكم علاقة الأجور بالإيجارات السكنية زادت التباساً، إذ أعلنت الحكومة في القانون الرقم 63 أنه «يرفع الحد الأدنى للأجور إلى 500 ألف ليرة، أي بزيادة نسبتها 66%، وتطبق على بدلات الإيجار المنصوص عليها في المادة الـ13 من القانون الرقم 160/92 نصف نسبة الزيادة الملحوظة في الفقرة السابقة وذلك اعتباراً من تاريخ العمل بهذا القانون».

هذا النص أدى إلى العديد من التأويلات، فأولاً، إن المادة الـ 13 من القانون 160/92 تتعلق بإيجارات الأبنية التجارية والصناعية، وبالتالي لا تتعلق بالإيجارات السكنية الواردة في المادة 6 من القانون رقم 92/160، التي لم تُذكَر في القانون الأخير رقم 63.

أن هناك وجهتي نظر قانونيتين تتعلقان بهذا الموضوع، الأولى هي السديدة وتقول بأنه ما دام القانون الجديد استند أو عُطف على المادة الـ 13 المتعلقة بالإيجارات الصناعية والتجارية فقط، فإن الإيجارات السكنية معفاة من الزيادة

أما الوجهة الثانية وهي لمصلحة المالكين القدامى، فتتذرع بأن القانون القديم لا يشترط نصاً خاصاً للزيادة على الإيجارات، إذ إن الزيادة تحصل تلقائياً دون حاجة لنص في كل مرة، إلا أن المشكلة هنا في نسبة الزيادة التي يجب احتسابها. لذا لا بد من ضرورة صدور قانون توضيحي عن مجلس النواب لتوضيح إن كانت الإيجارت السكنية خاضعة هي الأخرى للزيادة، وحتى ذلك الحين، فإن القانون يطبق كما هو، أي من دون أن تلحق الزيادة الإيجارات السكنية.

وبعكس الأُمنيات، فقد أعلنت لجنة الإدارة والعدل، أنها في صدد «مناقشة قانون الأجور رقم 63 مجدداً، لتصحيح خطأ ورد في النص الذي نشر في الجريدة الرسمية، وستُقترَح إضافة فقرة على القانون، بحيث تشمل الزيادة الإيجارات السكنية قبل عام 1992، وبمعدل 33%، أي بمعدل نصف قيمة الزيادة على الحد الأدنى للأجور!». وقال رئيس اللجنة النائب روبير غانم إنه تقرر «أن يُعطى وزير العدل إبراهيم نجار مهلة عشرة أيام، ثم يعود إلى اللجنة بصياغة للمواد المتعلقة بالتمديد من جهة وبالزيادة من جهة ثانية، آخذاً في الاعتبار موضوع الإنصاف والعدل وتأمين الحقوق والمساواة قدر الإمكان.

المشاكل لا تنتهي هنا، إذ إن المستأجرين يشددون على فكرة أن نص القانون 160/92 يشير إلى أن كل زيادة على الجزء الأول على الراتب يلحق نصفها على بدلات الإيجارات في المادة الـ 6 للسكن والمادة الـ 13 لغير السكن، الا أن الأجور زادت بمبلغ مقطوع بقيمة 200 ألف ليرة، من دون أي اعتبار للشطور، وبالتالي لا زيادة على الجزء الأول من الراتب. وهذا ما أشار إليه رئيس لجنة المستأجرين في لبنان نبيل العرجا الذي رأى أن استناد القانون الـ63 إلى المادة الـ13 من القانون 160/92 باطل، ويذهب العرجا إلى أبعد من ذلك، لافتاً إلى أن القانون الـ63 قابل للتفسير والتأويل، فهل تكون الزيادة 33% على الـ200 ألف ليرة؟ أم على الـ500 ألف ليرة؟ أم تكون الزيادة على كامل الإيجار؟

ومن جهة أخرى، يحاول المالكون الحصول على مفعول رجعي للزيادة، بدءاً من تاريخ تطبيق زيادة الحد الأدنى في أيار من عام 2008، فيما القانون الـ63 واضح في هذا الشأن، بحيث إن المفعول الرجعي «يطبق من تاريخ العمل بهذا القانون» أي من 1 كانون الأول 2008.

إن القانون الـ63 ينص على أن نسبة الزيادة هي 33% على بدلات الإيجار، مشيراً إلى أنه لا يمكن أحداً سوى المجلس الدستوري إبطال القانون، ومتى صدر يصبح إلزامياً ويجب العمل به كما هو، ولو كان مبتوراً أو مجتزأً حتى تعديله، «ولو كان للأسف يخرق مبدأ المساواة والعدالة.

أما أمين سر اللجنة حسيب قيلوح، فيرى أن المرسوم رقم 500 والقانون رقم 63 جاءا جائزةَ ترضية للملاكين الكبار، وهم ينتمون بمعظمهم إلى فئة الأثرياء والخليجيين والأجانب، وذلك على حساب المستأجرين الذين أكثر من 95% منهم لبنانيون، مشيراً إلى أن القانون والمرسوم كليهما صيغا لإلغاء ما يُسمّى «الخلو» الذي يُعَدّ صِمام أمان لشريحة كبيرة من اللبنانيين. ويضيف: «نحن 170 ألف عائلة، ونمثل قوة سياسية وشعبية، وما يقومون به في الحكومة سينعكس عليهم في الانتخابات المقبلة.

-       ارتفاع العقارات بشكل جنوني

لبنان يسير عكس تيار الأزمة العالمية لجهة حركة العقارات فيه، حيث ارتفعت قيمتها بواقع 9 بالمئة في الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، مع توقعات بارتفاعها بين 10 و 15 بالمئة حتى العام 2013 
إن المغتربين والمستثمرين العرب كانوا أفضل المستثمرين في القطاع «العقاري» في لبنان.

إن الأرقام التي أصدرتها مؤخراً «نقابة المهندسين» في لبنان، بينت فيها أن قيمة المبيعات العقارية وصلت إلى أكثر من 4.3 مليار دولار في العام 2008، وكانت الأعلى في العام2009. ونقلاعن الوسطاء العقاريين ،فإن معظم مبيعات الشقق التي حصلت في بيروت وجبل لبنان كانت صغيرة إلى متوسطة الحجم.

كما إن التعميم الذي أصدره «مصرف لبنان»، والذي منح بموجبه حوافز للمصارف التجارية مقابل تقديمها قروضاً سكنية، كان الحافز الأهم لاستمرار مبيعات الشقق السكنية. حيث تقدم اليوم المصارف التجارية قروضاً لفترة بين 20 و 30 سنة، وبفائدة 5.9 بالمئة وما دون.


إن الأرقام التي نشرتها مديرية الشؤون العقارية التابعة لوزارة المالية، تدعم التوجه التصاعدي للعقار في لبنان. إذ أظهرت حصول 7 آلاف و 740 عملية في أغسطس، بارتفاع 3.9 بالمئة عن يوليو.


والجدير بالذكر أن سوق العقار في لبنان تضرر هو الآخر بالأزمة العالمية، إذ أظهرت الأرقام أن ما تحقق في أغسطس مازال أدنى بـ2.3 بالمئة، عما تحقق في الشهر نفسه من العام الماضي، وهو الشهر الذي بلغ القطاع «العقاري» ذروته. وقالت إن هذه الأخبار شجعت المطورين الذين ما زالوا يتطلعون إلى لبنان كسوق أولية في منطقة الخليج. 


وقالت شركة «فينوس» للتطوير العقاري التي أطلقت مشروعاً في لبنان، إنها تمكنت من إجراء عمليات بيع بقيمة 100 مليون دولار بعد 48 ساعة على إطلاقها المشروع من قبل مستثمرين خليجيين. 


يذكر أن استقرار العملة اللبنانية كان له الدور الأكبر في تشجيع المصارف على الاستثمار بالليرة اللبنانية، الأمر الذي أسهم في إيجاد آلية عمل جديدة تنطلق منها سياسة القروض المصرفية. 


كما لعب «المصرف المركزي» دوراً رئيساً في تحريك السوق «العقارية» بعدما سمح أخيراً للموظف بالحصول على قروض سكنية طويلة الأمد بالليرة اللبنانية، وهو ما أسهم في مضاعفة حجم الطلب على الشقق، بعدما بات بإمكان الموظف التملك عن طريق حصوله على قرض ارتفع سقفه من 120 مليون ليرة لبنانية (80 ألف دولار) إلى 180 مليوناً (120 ألف دولار)، وهو الأمر الذي جعل القروض السكنية تشق طريقها قدماً، لتصبح المنافسة بين المصارف على جذب الراغبين في تملك شقق سكنية العنوان الأبرز في القطاع المصرفي.
 

الخاتمة والتوصيات:

 

في ظل ما شهده لبنان من ازمة حكم خلال العام 2009 والخطاب السياسي المحتقن والصراعات الداخلية والتاثيرات الداخلية الخارجية على حد سواء، تبقى نذر الحرب الاهلية غير بعيدة ما لم تتحلى الاطراف الدولية والاقليمية بقدر عال من المسؤولية تساعد الفرقاء داخل الساحة اللبنانية على الوصول الى صياغات مناسبة تضع حدا لازدواج السلطة وتصون كيان الدولة اللبنانية .

كما أن التحريض الطائفي من خلال الخطاب الديني ما زال مستمراً في كافة المناسبات والإستحقاقات مما يخلق في الكثير من الأوقات التوتر وحالة من عدم التسامح بين الطوائف وبين المواطنين فيما بينهم.

لايمكن تجاهل التحديات التي قد تواجهها المحكمة الدوية الخاصة بلبنان من قبل اطراف اقليمية ودولية، تقود الى المزيد من استطالت اجراءاتها او تعوق امكانية مثول متهمين امامها، او تسليم اشخاص مدانين يتعين منعهم من الافلات من العقاب.

أما على الصعيد الإجتماعي فإن تحرك منظمات المجتمع المدني لا سميا في قضايا المرأة من خلال الضغط على الحكومة اللبناينة لتوقيع القانون المتعلق بالعنف الأسري وتعديل القوانين الأخرى كان الأبرز هذه السنة، إلى جانب الدور الذي لعبه القضاء اللبناني في هذا المجال.

وما زال الإنتهاك مستمراً بحق اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين والعاملات الأجنبيات في ظل تقاعس الدولة اللبنانية عن تأمين حقوقهم الأساسية.

وظل لبنان بعيدا عن الأزمات الاقتصادية في العام 2009 ولكن تأثر بشكل ملحوظ على صعيد الحياة المعيشية. حاليا يطلب من الحكومة اللبنانية أن تعمل جديا ًلتحقيق ما نالت الثقة عليه في بيانها الوزاري بأغلبية 122 صوتا،والذي كان قد صدر بصيغته النهائية في الرابع من كانون الاول 2009، والتي اعلنت من خلاله ان اولويات المواطنين/ات ستكون اولوياتها، وانها ستتصدّى بكل حزم ومسؤولية لمعالجة مجموعة من القضايا الإقتصادية الأساسية التي شكلت على مدى السنوات الماضية سببا لإهتزاز ثقة المواطنين بالدولة ومؤسساتها.
وقد تضمّن البيان برنامج عمل الحكومة الذي ستنتهجه خلال فترة ولايتها التي ستدوم أربع سنوات، وستسعى من خلالها إلى تطبيق سياساتها العامة بمختلف الأبواب الإقتصادية، السياسية والإجتماعية التي تهم المواطنين.

اقل من ستة اشهر من المصالحات أختصرت عام 2009، بعد اكثر من خمسة اعوام من الصراعات.

لكنأزمة النظام اللبناني ما زالت تتفاعل. وبذلك تكون السنة 2010 قد ورثت تركةثقيلة ستكون محط تجارب خطيرة لقدرة النظام على الاستمرار وتفاديالاقتتال الداخلي.

من هنا، توصلت حركة السلام الدائم إلى التوصيات التالية:

التوصيات:

1-    تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية وفقا لما نص عليه إتفاق الطائف سنة 1989.

 

2-    وضع حد للتحريض الطائفي ولتدخل الدين في السياسة من خلال وقف الخطابات الدينية المحرضة والقامعة لحرية الآخر في التعبير وممارسة شعائره الدينية. وأيضاً من خلال محاربة كافة أشكال التعصب عن طريق القبول بالإختلاف الذي يحترمه الدستور اللبناني والقوانين كافة.

 

3-    خلق الفرصة المناسبة لحوار جاد وصريح ومتسامح بين مختلف الأطراف اللبنانية بغية التوصل إلى حاجات واهداف مشتركة تخدم مصالح الوطن والشعب اللبناني.

 

4-    إزالة التحفظات عن تنفيذ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والمصادقة على البروتوكول الاختياري من أجل السماح للأفراد والجماعات بالتواصل مع لجنة الاتفاقية.

 

5-    تعديل كافة القوانين التمييزية ضد النساء في لبنان، بما في ذلك قوانين الأحوال الشخصية، والجنسية، والعمل، والضمان الاجتماعي، إضافة إلى القانون الجنائي.

 

6-    إقرار القانون المتعلق بحماية النساء من العنف الأسري، ومعاقبة مرتكبي العنف ضد النساء
وإقرار القانون حول حق النساء اللبنانيات بتمرير جنسيتهن إلى أزواجهن وأطفالهن الأجانب دون أن يتضمن أي تمييز تحت ذريعة منع التوطين.

 

7-    ضمان احترام جميع حقوق الإنسان للعمال المنزليين ، بما في ذلك الحقوق الاجتماعية. وينبغي مراجعة قانون العمل اللبناني لضمان أنه يوفر الحماية القانونية الضرورية للعمال المنزليين. ويجب إجراء تحقيقات مناسبة بخصوص حالات الموت أو الإصابة بين العاملات المنزليات المهاجرات.
 

8-    تعزيز المساواة بين الجنسين في جميع المجالات وكافة المستويات من خلال إقرار خطة "لزيادة مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية إضافة إلى القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" بحسب ما تم الاتفاق عليه في خطة العمل المنبثقة عن سياسية الجوار الأوروبية للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي ولبنان.

 

9-    إيجاد حل لموضوع فاقدي الأوراق الثبوتية من اللاجئين الفلسطينيين وذلك بإتفاق بين الحكومة اللبنانية والمنظمات الفلسطينية المعنية. وإحتضان اللاجئين العراقيين وعدم التضييق عليهم.

 

10-التأكيد مجدداً على ضرورة نشر مبادئ التسامح في المدارس والجامعات من خلال عقد حلقات دورية مكثفة عن الموضوع لتنشئة الجيل القادم على إحترام الآخر والقبول بالإختلاف.والتأكيد على دور المجتمع المدني في هذا المجال.

 

11-إحترام كافة الإتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والذي صادق عليها لبنان وإدخالها في التشريع المحلي والتوقيع والإنضمام إلى الإتقافيات الدولية الاخرى المتعلقة بالموضوع.